وفي شعرها دفء أنفاسه

صارا في طابق المعيشة، وشرعا يتفقدان الغرف. كل شيء بالطابق بسيط يجلله سكون حزين، باستثناء الحمّام الفسيح المشرف على البحر والحديقة، يتوسطه حوض استحمام دائري من المرمر الوردي، مع صنابير من النحاس ومرايا ضخمة. لاتزال تتصاعد منه طاقة حسية، كأنه شهد مطاردات العاشقين بالأمس. تقمص جمال دور المرشد. هنا كان يخلع ملابسه، يعلقها على هذه المشاجب، ثم يخطو هكذا خطوتين، ويتوقف هنا ليتأمل الصبي اللاهي في البركة يتلاعب الماء الصافي بعريه، سيخطو نحوه، يضع قدمًا في الماء يستطلع درجة الحرارة، يخطو بالأخرى وينساب داخل الماء، يستلقي في هذه الجهة، يمد ساقيه يجذب بهما الصبي المستلقي المستلقي في الجهة الأخرى.

هبطا الدرج، مجددًا، أومآ بالتحية للموظفة، وسارا إلى صالة الاستقبال الواسعة التي لا تضم سوى صالون وحيد من كنبتين وكرسيين. جلست خديجة على أحد الكرسيين، وأعطت جمال تليفونها وقالت:

ـ صورني.

التقط لها عدة صور، ثم جلس إلى جوارها والتقط لهما سيلفي، ثم ناولها تليفونها، وشرع يلتقط أخرى بتليفونه.

عندما خرجا إلى الشرفة الفسيحة التي تجلل الطحالب برامق وسطح سياجها، أخذ جمال يتأمل احتضان البحر للفيلا من ثلاث جهات، أحس بتحرره من الحزن، فالطابق المغمور بالضوء يشبه الكثير من الفلل، باستثناء الإطلالة الفريدة على صخب البحر. استلقى على أرضية الشرفة مغطيًا عينيه بذراعيه، وأخذت خديجة تلتقط له الصور ضاحكة.

نهض بعد لحظات من الراحة، وحملها بين يديه. تعلقت برقبته، بينما يُقبلها بتأنٍ. عندما تركها أخذت يده، ومضت تقوده من الشرفة إلى صالة استقبال فالممر، حيث الدرج الهابط.

أشارت إلى اللافتة بجوار باب صالة كبيرة «غرفة الأفيون». انسابا من الباب إلى الغرفة الخالية من أية قطعة أثاث باستثناء سجادة تغطي دائرة منخفضة في الوسط، وتتناثر فوقها الحشايا.

قالت:

ـ هنا كان يسهر مع أصدقائه.

مضي جمال نحو النافذة متحاشيًا دائرة المرمر بفرشها الشرقي، رأي الماء يضرب حاجز الأمواج الصخري الملتصق الذي يُدعِّم أساس البناء. تطلع إلى البحر مبتهجًا:

ـ غياب العقل في هذا المكان لا يحتاج إلى مخدر!

أشارت خديجة مبتسمة إلى باب صغير:

ـ هذه الغرفة الصغيرة كان يستخدمها كخلوة مع الصبي.

فتحا الباب فصارا في فضاء الغرفة المظلمة، رد جمال الباب خلفهما، وهتف:

ـ اشتهيتك.

أحست في النبر القوي لكلمته برياح خماسين تلف جسدها، وتكاد تُطيرها في الهواء. الإحساس ذاته الذي أحسته عندما رأته في بهو المحكمة للمرة الأولى.

احتضنها، فدفعته نحو الجدار مريحة رأسها على صدره، بينما تحس في شعرها  دفء أنفاسه الحارة. سمعا وقع أقدام على السلم، قبَّلته خطفًا على عنقه، ومضيا صاعدين إلى باب الخروج.

ودَّعا المشرفة، وهبطا درج المدخل مغادرين.

“““

من «يكفي أننا معًا»