بعد رمضان وسوق تبرعاته التي يعاد تدويرها لإيذاء المجتمع يأتي عيد الفطر، وبعده بشهرين وعشرة أيام يأتي عيد الإضحى. تأتي الأعياد رغم كل شيء، دُمرت أوطان عزيزة والأعياد تأتي أيضًا. وقبل عيد الإضحى، ستبدأ إعلانات جمعيات الإحسان عن صكوك الأضحية. هنا لا ينفع التبرع «ولو بجنيه» لابد أن تدفع ثمن خروف. والخراف مصنعة في خطوط إنتاج منضبطة بحيث يخرج منها الخروف البلدي بذات السعر دائمًا، وكذلك تخرج الخراف المستوردة بسعر موحد لكل جنسية، على أن قيمة الخراف لا تتبع دائمًا القيمة التي يعامل بها النظام السياسي مواطنيه؛ فالخروف البلدي مثلاً أغلى من خروف أوروبي.
شخصيًا لم أجرب مسألة الصك هذه، ولا أعرف أحدًا ارتكب هذه الحماقة لأعرف منه هل بوسعه أن يحدد في صكه لون فروة أضحيته أو يميز في الصك ليعرف إن كانت الجمعية قد خدعت الفقراء وذبحت باسمه خروفًا رومانيًا بدلاً من البلدي الذي اشتراه؟ أو هل يطمئن إلى أن عامل التوصيل لم يعرج على بيته ليستريح قليلاً، فالتصق منه اللحم بثلاجته؟
يبدو أنني ومعارفي لسنا مقياسًا؛ فلابد أن الجمعيات تجد عددًا من المضحين على الورق كافيًا لحملة إعلانات أخرى ستلتهم الأضحية لتلحق بما التهمته إعلانات تبرعات رمضان، وسيكون الفقراء محظوظين إذا نالوا من الخراف مخاصيها!
وجد اختراع الأضحية الورقية أرضه الخصبة في فئات اجتماعية تريد عمل الخير دون أن تلوث أيديها بالدماء وفي الفئة المولعة بفكرة الصدقة المخفية. وبصرف النظر عن أن هذا النوع من الناس يتحدث دائمًا عن «صدقاته المخفية» يمكننا أن نسأل سؤالاً مشروعًا: لماذا يجب أن تكون الصدقات مخفية دائمًا؟
بالعودة إلى خروف الصك «الذي يشبه خروف الأمير الصغير داخل الصندوق» لدي فضول لسؤال المضحين الورقيين: ماذا تفعلون مع أقاربكم الفقراء ومن تتعاملون معهم من عمال الخدمة رقيقي الحال؟
تشترون لهم لحمًا آخر أم تتركونهم لغرباء آخرين يهادونهم بينما تهادون أنتم غرباء في جهة أخرى وهكذا؟ إذا لم تعطوهم هل سيكون هذا لصالح الدنيا أو الدين؟
القرآن يتحدث عن الخير سرًا وعلانية. يسمح بالعلانية، وبالتأكيد السر يختلف عن «المجهول» تعطي شخصًا معروفًا لك سرًا أو علانية. ولأنني لست داعية دينيًا، تشغلني الدنيا. والتصدق على الأقرباء دمًا أو مكانًا مفيد لصحة المجتمع. الحارس وموصل الطلبات وغيرهم ستكون قدرتهم على الغدر أقل إذا أكلوا من يدك. سيعرفون أن الإنسانية لم تنتزع من قلوب البشر فيحافظون عليك ولا يشرد أبناؤهم بعيدًا عن مجتمع جاحد وكافر.
ولا أظن أن هناك من لايجد حوله فقراء، لكن يبدو أن الرغبة في الصك تشبه رغبة البعض في السك.