مات مايكل جاكسون*. وسواء أحبه المرء أو كرهه أو وقف منه على الحياد؛ فهو أحد أساطير هذا العصر. والأهم أنه صفحة من قصة عرق وإرث، إذا ما استخدمنا تعبير باراك أوباما في مذكراته “أحلام من أبي”.
قصة، ولنقل ملحمة العرق يرويها أوباما كتابة، أما جاكسون فيرويها موتاً. كلاهما يحكي مأساة أن يكون المرء أسود في عالم من صنع البيض ويخضع لسلطتهم.
أوباما وجاكسون يتشابهان؛ فكلاهــــما وصــــل إلى أعلى المجد في مجاله، ولكنهما يختلفان في ردة الفعل على سلطة الرجل الأبيض، وهذا الاختلاف هو ما جعل حياة أوباما ـ حتى الآن ـ دراما عادية، بينما صنع من حياة جاكسون تراجيديا إغريقية.
سيطرة الرجل الأبيض القدرية أدركها أوباما مبكراً: “لقد كنا دائماً نلعب في ملعب الرجل الأبيض، ووفقاً لقواعده، هذا ما قاله راي. وإذا أراد الناظر أو المدرب أو المدرس أو كيرت أن يبصق على وجهك يمكنه هذا لأنه يتمتع بسلطة ليست لديك. وإذا قرر ألا يفعل شيئاً من ذلك، أي إذا عاملك على أنك إنسان أو دافع عنك، فهذا لأنه يعرف أن الكلمات التي تتفوه بها، والملابس التي ترتديها، والكتب التي تقرأها، وطموحك ورغباتك هي في الأساس ملك له. ومهما يكن ما يقرر أن يفعله فهذا قراره وليس قرارك، وبسبب هذه السلطة الجوهرية التي يملكها عليك، ولأنها ولدت قبل دوافعه الشخصية ونزعاته، وسوف تستمر بعدها”.
الاقتباس من مذكرات أوباما، وراي هو صديقه في فترة المراهقة وزميله في المدرسة، وقد أيقظ فيه ما كان يحب أن يتناساه وهو في حضانة جديه الأبيضين.
مذكرات أوباما، حققت أعلى المبيعات في طبعاتها الإنجليزية المتعددة، ولم يكن قد أصبح رئيساً بعد. كان طالباً في كلية الحقوق، عندما تم انتخابه أول رئيس أسود للمجلة القانونية “هارفارد لوو ريفيو” وحينها سعى إليه ناشر أمريكي لكي يكتب مذكراته، من الواضح أنه خطط لها أن تكون قصة نجاح شاب أسود، أو ربما كانت مؤسسات الدولة الأمريكية هي التي دفعت الناشر إلى تبني هذا المطلب السياسي، في إطار خطة صناعة النجوم السود في الرياضة والسينما والموسيقى والإعلام. ورغم الدفاع المجيد لأوباما عن أمه ووالديها، بوصفهما من البيض الطيبين، إلا أن المذكرات تنضح مرارة، وتؤكد أن اللامساواة أفظع وأفدح من أن تعالجها قوانين الفصل العنصري.
وإذا كانت ‘الجذور’ لألكس هيلي قد فضحت قروح الجسد والروح لدى العبد الزنجي، فإن حياة مايكل جاكسون ومذكرات باراك أوباما تنضحان بآلام أرواح السود التي لم تتحرر بعد على الرغم من التقدم الشكلي عى صعيد الحقوق القانونية.
أوباما كان محظوظاً بالحصة البيضاء من دمائه يراقب من خلف زجاجها ما يعانيه السود الصِرف، وهذه الحصة هي التي مهدت طريقه إلى البيت الأبيض، أما جاكسون فقد عاش يسعى إلى امتلاك تلك الحصة فتشوه جسده وتشوهت روحه، قبل أن يخرج إلى النهار في الخمسين، بسبب جرعة مخدر زائدة.
في موضع آخر من مذكراته يقول أوباما:‘ مدمن للمخدرات، ومدخن للماريجوانا، هذا ما كنت أتجه إليه: الدور المحتم الأخير الذي يلعبه الشاب الأسود الذي سيصبح رجلاً. إلا أن اللجوء إلى نشوة المخدرات لم يكن الهدف منه أن أثبت كم أنتمي إليهم. لم يكن الأمر كذلك على أية حال؛ فقد كنت ألجأ إلى نشوة المخدرات من أجل عكس ذلك تماماً، إذ كنت أبحث عن شيء يبعد عن ذهني أية أسئلة تتعلق بهويتي’.
حاول أوباما نسيان النصف الأسود، وكانت مناسبة زيارة أبيه الغائب مناسبة مؤسفة بتعبيره، لأنها تعيد تذكيره بهذه الحقيقة. وقد كان محظوظاً لأن ما يريد إخفاءه لم يكن سوى أبيه الكيني البعيد، الذي رآه في زيارة عابرة، بينما كان ما يريد جاكسون أن يخفيه أقرب وأوضح من هذا كثيراً. كان زنجية أنفه!
وقد زادته جراحة التجميل بؤساً، ولم تفلح كريمات وجراحات التبييض في فبركة هوية متماسكة من اللونين، كما فعل أوباما، فأخذ يخفي وجهه بالأقنعة ويخفي روحه في المخدرات.
الكائن المثير للرثاء، الذي بلغ أقصى درجات النجومية وامتلك بيتاً بحدائق ومتنزهات وملحقات بحجم مدينة لم يغادره خوف السود ولا حزنهم، اضطجع في حضن الأولاد، لكنه في ما يبدو لم يعرف متعة الجنس السوي أو الشاذ.
ولأن الطفولة لا تُمنح مرتين، حلم جاكسون بإعادة إنتاج طفولة سعيدة تعويضاً عن بؤس طفولته؛ فترك وراءه ثلاثة أطفال لعذاب مختلف عن عذابه: اثنان مجهولا الأب (حيث صرحت مطلقته بأنه لم يمسسها، وأنهما جاءا بتلقيح صناعي من متبرع مجهول) والثالث مجهول الأم، وقد يكون مجهول الأب أيضاً قياساً على اعتراف الأم العلنية لأخويه الآخرين!
أما جسده الشخصي؛ فلم يكن جاكسون بحاجة إلى إقطاعي أبيض يلهب ظهره بالكرباج لكي يتقرح. كانت قروحه التي وجدها أطباء تشريح الجثة من صنع مشارط جراحي التجميل، الذين قد يكونون بيضاً أو سوداً يعملون في مهنة التجميل، وهي مهنة اخترعها الرجل الأبيض!
ـــــــــ
جاكسون (29 أغسطس 1958 – 25 يونيو 2009)