لسنا أبرياء

فرناندو بوتيرو

 

أتأمل الكهول والشيوخ الذين يتصدرون المشهد السوري المعارض والليبي المقاوم للإرهاب، فيتبادر إلى ذهني سؤال بديهي: أين كان هؤلاء؟ وماذا كانت وظائفهم عندما اختص الأسد والقذافي نفسيهما بوظيفة الإله في بلده؟!

كانوا ضباطًا كبارًا يطيعون الأوامر الخاطئة كما لو كانت عين الصواب، وكانوا وزاء بوسعهم أن يتمسكوا برؤيتهم أو يستقيلوا، لكنهم لم يفعلوا.  كانوا في سورية ينادون الإله المتجهم بـ “سيدي” وفي ليبيا يمتثلون للعبة التقمص التي فرضها العقيد الساخر فينادونه بـ “الأخ” دون أن ينقص ذلك من ألوهيته شيئًا. بعضهم ترك دفء كرسي الوزارة ضمن طاقم الحكم الدموي لينتقل مباشرة إلى كرسي التفاوض وعضوية الفصائل والمنصات المتحاورة، والبعض كان أكثر حياء، وانتظر لبعض الوقت قبل أن يلتحق بفصيل معارض.

بعض من يحتلون المشهد البائس الحالي كتاب ومفكرون، كان بوسعهم أن يعبروا عن رفضهم للجنون الحاكم بالعديد من الطرق الممكنة لكنهم لم يفعلوا، والقول بأن المعارضة لم تكن ممكنة محض خرافة، والصحيح أن للمعارضة أثمانًا لم يرغبوا في دفعها.

لا أملك من التبجح ما يكفي لكي أفتي في الشأن السوري أو الليبي أو العراقي المستعصي على الشيطان، لكن لا بأس من استخدام مرايا الدول المنهارة لكي نرى. النظام وأبواقه لا يكفون عن وضع تلك المرايا في مواجهتنا كي نصاب بالفزع من المصير، ولا بأس من استخدامها مرة من أجل إثارة الخجل من الممارسات التي قادت إلى ذلك المصير!

ما حدث في سورية وليبيا والعراق لم يكن جنونًا أو مؤامرة، بل خروجًا شعبيًا على حكام ديكتاتوريين لم يعودوا يصلحون لهذا الزمان، ومثلما لم تكن الثورة حدثًا مفاجئا، فلم تكن صناعة هذه الآلهة التافهة في يوم وليلة.

لم  تختلف آليات تصنيع الديكتاتور العربي عن صناعة مثيله  في كل مكان وزمان: شخص شره يمضي إلى حتفه مخدرًا بعبودية أتباعه، فإذا سقط يصبح مدانًا وحده، بل ويتحول بعض هؤلاء الأتباع الذين ساهموا في صنع مأساة الشعب ومأساته الشخصية إلى التبرؤ منه، بل يسعون لأن يكونوا جزءًا من مستقبل بائس آخر!

أكثر الطغاة دموية هو مجرد شخص، يمكن أن يحبسه خادمه في الحمام، لكنه يبقى مستقرًا فوق القمة بفضل الآخرين، مثلما يستقر الحجر الأخير في قمة هرم خوفو بفضل الأحجار التي ترفعه، من أحجار الأساس المردومة في التراب إلى أحجار البطانة العليا. كل هذه الأحجار لا تتساند رغبة في العبودية فحسب، بل رغبة في حصة من الغنيمة أو مجرد تجنب الخسارة.

أحجار الأساس المدفونة في التراب، المواطنون العاديون البعيدون عن صنع القرار في دولة الأسد وصنع الهزار في دولة القذافي، البعيدون عن منصات تقرير المصير الآن، ليسوا أبرياء كذلك، لأن رعبهم منعهم من إبداء أية مقاومة، حتى ولو بالتصويت المخالف في لجان الانتخاب.

ولا أريد من هذا التوسيع لدائرة الاشتباه تضييع مسئولية اصطدام قطارنا بالجدار، بل على العكس، تدعونا المرايا التي أمامنا، لكي يتحمل كل منا مسئوليته، فلا يدعي المسئول في حدود مسئوليته أنه كان مأمورًا، ولا يدعي المفكر أنه لم يجد منبرًا، ولا يدعي المواطن أنه كان يائسًا.

هناك دائمًا طريقة لقول “لا” ولا براءة لمن لم يقلها.