الجدل حول نزلة السمان ..استبداد المقهورين

   

تبدو قصة إزالة عشوائيات نزلة السمان نموذجًا معياريًا لما نحن عليه جميعا. الحاكم والمحكومون. 

 مبدئيًا فإن نشأة هذه العشوائيات والسكوت عليها كان جريمة في حق التاريخ الإنساني وفي حق مصر ومواردها السياحية. ومبدئيًا كذلك أن الجريمة تفاقمت بحيث لم تعد الأهرامات محجوبة بالبناءات العشوائية فحسب، بل إن المنطقة مخطوفة. زيارة الهرم أصبحت منذ سنوات طويلة مغامرة غير آمنة للمصري والأجنبي على السواء. وقد سبق أن نشرت مقالاً في «المصري اليوم» منذ عامين حول الرعب الذي تعرضت له كوني بالمن، أهم  كاتبات هولندا. التي قالت لي حرفيًا إنها أحست أن ما دفعته في ذلك المكان ليس ثمنًا لشيء، لكنه فدية لتحريرها (دفعت ستمائة دولار).

  البلطجة لا تقتصر على ساسة الخيل والجمال ولكنها تمتد إلى كل الخدمات التي تقدم للسائح، من التاكسي إلى باعة العطور البلدية. لا يعود سائح إلى بلاده إلا بإحساس الخديعة، ولا يكرر زيارتنا إلا المهووسين حبًا في هذا البلد.

  لابد أن ينضبط كل هذا، لكن ليس هكذا.

  كان لابد أن يكون هذا معلنًا في إطار مشروع شفاف، شامل، ومعلن للتطوير.

 * لابد من تدريب وتطوير قدرات وتقنين أوضاع العمل لغير المقننة أوضاعهم من عمال وساسة المنطقة ووضع تسعيرة ملزمة أو حتى حدود للمساومة، بحيث لا تتخطى إلى النصب المؤذي ووضع حد للإلحاح الذي يتحول إلى تهديد.  من غير المعقول أن يرتفع سعر قارورة عطر من التركيبات الرديئة أو فانلة مطبوعة من عشرين جنيهًا إلى مائة دولار وأكثر بتغفيل السائح أو إرهابه. 

    *وكان يجب ألا تبدأالإزالة إلا بعد عرض البديل اللائق على السكان في منطقة قريبة من مكان عملهم الذي يجب ألا يفقدوه. 

    ويجب أن يعلم المسئول أن الدولة عندما تدفع التعويضات؛ فإنها لا تدفع إلى بلطجية اغتصبوا الأرض كما يهوى بعض المتحدثين أن يصفهم، لكنها تدفع ثمن فسادها وتراخيها، وهي ترى المنطقة تتحول إلى هذه الصورة عبر عقود. كل من بنى بيتًا مخالفًا هو شريك مع موظف فاسد لا ينال جزاءه أبدًا، وهو شريك لمستويات السلطة العالية، لأن البيوت لا ترتدي طاقية الإخفاء ويراها الجميع.

 هل يمكن للمرء أن يعترف بوجود المشكلة وأن يعارض في الوقت نفسه طريقة علاجها؟

بالطبع لا، وهذا يبدو من مراجعة المعركة حول القضية في وسائل التواصل. وهو نقاش يذكرنا باستبداد المقهورين غير المدان، مع أن استبدادهم هو المنشئ لاستبداد السلطة. هذه الحقيقة لا يريد أحد أن يراها؛ فالأفضل منها هي تلك القسمة المريحة: للمستبد في الوعي السياسي صورة الشيطان، وللمقهورين  صورة الملائكة!

   في الحوارات الدائرة يطلب البعض من الشخص المعارض أن يكون معارضًا كالحجر. لا يعترف بالوضع الكارثي القائم، ولا يتحدث عن ضرورة تغييره، ولا يعترف بإمكانية أن يكون الإنسان مقهورًا ومخالفًا في الوقت ذاته؛ ببساطة لأن هذا الاعتراف يدعم الشيطان ويعادي الملائكة. ومن يفعل ذلك فقد خان!

   هذه الرؤية المنافقة للمجموع هي أهم معوقات التطور السياسي علي الإطلاق، لأنها تنظر إلى المكون البشري وكأنه فريقان. هرم سلطة يتربع علي قمته شخص ارتفع فوق أحجار تصنع جهازه البيروقراطي، الذي يتسع للمساندة الإعلامية، وفي الجانب الآخر فريق من الأطهار الديمقراطيين. والأمر ليس هكذا أبدًا؛ فساكن القمة كان يومًا في القاعدة. هو من طينتكم.

   البعض على العكس تمامًا مرتاح للتنكيل بسكان نزلة السمان، باعتبار أنهم  البلطجية الذين هاجموا ميدان التحرير في موقعة الجمل. وفي هذا الموقف يتبدى أصل الاستبداد؛ فأولا: هو أخذ بالشبهة، وموافقة على إنزال عقوبة دون محاكمة؛ فماذا يكون الاستبداد غير ذلك؟ وهل يمكن أن تبنى الأوطان على الكذب والتعصب وسوء الفهم؟