أول عمل أقوم به عادة قبل بدء قراءة كتاب سبق أن قرأته من قبل، أن أفر صفحاته لاكتشاف ما يتربص بي بينها. إجراء يشبه إضاءة البيت وتفقد زواياه الخفية عند العودة من الخارج ليلاً. وأنا أعرف أن ما يخفيه الكتاب غالبًا هو تذكارات قراءتي السابقة.
كنت في سنوات قراءتي الأولى أبحث عن آثار الآخرين في الكتب؛ حيث كانت الرغبة في القراءة أسبق من القدرة على شراء الكتب. ولست وحيدًا في هذا، كل أبناء القرى بدأوا قراءاتهم باستعارة الكتب أو بالعثور عليها في صندوق منسي. ومثلما يتصور أبناء المدينة أن الدجاج يولد وينمو منتوفًا داخل كيس في ثلاجة، يعتقد أبناء القرى أن الكتب مخلوق أزلي صنعه الخالق لتتناقله الأيدي، وليس سلعة تُشترى بالمال.
هذا الاعتياد على آثار الآخرين جعل بكارة الكتاب آخر ما أحرص عليه. لا أشعر بالغيرة من القراء السابقين بل أتشمم روائحهم بسعادة وأتسلى بالتلصص على أذواقهم في القراءة من خلال الفقرات التي أبرزوها بخربشاتهم، ولم تزل هذه المتعة متاحة من خلال فرشات «بسطات» بيع الكتب المستعملة، التي توفر متعة إضافية لهواة النميمة الأدبية عندما يكتشفون أن إهداء كاتب شهير إلى كاتب شهير آخر انتهى إلى سوق الكتب المستعملة، أو إذا اكتشفوا عبارات تملق من كاتب كبير لسياسي تحت مستوى الشبهات!
هذه الأريحية التي نتعامل بها مع العابرين عندما نلمس حضورهم في كتب انتهت إلينا لا تنفي أن حب الامتلاك طبيعة بشرية أصيلة. عندما صارت لدي كتب تخصني وحدي صنعت ختمًا لتأكيد ملكيتي، ولم تكن تتجاوز عدد أصابع اليدين. كان هذا حلم المكتبة الكبيرة، قبل أن تصبح حقيقة ويضيع الختم وأفقد معه بهجة الضغطة التي تنتهي بوضع اسمي إلى جانب اسم المؤلف. كان ختمي يتضمن اسمي فقط، حرًا بنسخ كلاسيكي ليس داخل إطار كما في الأختام. كانت هذه رغبة في المغالطة؛ أن يبدو اسمي كما لو كنت مؤلفًا للكتاب وليس مجرد مالك لتلك النسخة.
أسوأ نتيجة لتحقيق أحلامنا هي أننا نفقدها، هذه هي الحقيقة التي نادرًا ما ننتبه إليها. توقفت عن وضع ختم «عزت القمحاوي» سريعًا، بمجرد أن سار حلم امتلاك مكتبة على طريق تحققه. فقدت اللعبة متعتها، لكنني عوضًا عن ذلك لم أزل أستمتع بآثار قراءاتي السابقة، وقواطع القراءة التي أتخذها من أي شيء أجده في متناول يدي في كل مرة أتوقف فيها عن المتابعة.
أظن أن معظم القراء يفعلون ذلك. وعندما ينتهي أحدهم من الكتاب يعيده إلى مكانه بهذه القواطع عديمة النفع، لتنام بين الصفحات وتصبح جزءًا مما عاشه ذلك القارئ يومًا ولن يعود.