العدد ٥٠٣ من كتاب الهلال (نوفمبر ١٩٩٢) فنتازيا الغريزة للروائي الإنجليزي د.ه. لورنس، أو الروائي عديم الأخلاق ديفيد هربرت لورانس ـ كما وصفته بريطانيا وأوروبا ـ بسبب رواياته التي زلزلت كذب أوروبا المحافظة مثل «أبناء وعشاق» التي كتبها قبل أن يكتب محمد حسين هيكل «زينب» وبالطبع «عشيق الليدي شاترلي».
في هذا الكتاب، الذي ترجمه الشاعر عبدالمقصود عبدالكريم في لغته الجميلة، وفي الكتاب السابق عليه «التحليل النفسي والوعي» يتقاطع لورانس مع فرويد، جيمس فريزر، وأساطير الشعوب. يستند إلى ثقافة موسوعية رغم حياته القصيرة المليئة بالمرض، ونعرف من الكتابين أن رواياته، وراءها فلسفة كاتب، لديه أطروحته حول مركزية الجنس في السلوك الإنساني، في دافع الإنسان إلى مواصلة الحياة والإنجاز.
بعيدًا عن لورانس وعبدالكريم، هناك رجل نبيل كان يرأس تحرير هذه السلسلة هو مصطفى نبيل، الذي لم يكن بشهرة رجاء النقاش بين العامة، لكنه كان ذواقة وصاحب قرار. وكان لدينا بعض الهواء لنتنفس.
ليس فنتازيا الغريزة مما يُنشر في سلسلة كتب سيَّارة تصدرها دار صحفية، لكن مصطفى نبيل كان ينشر هذه الكتب ولم تهدم شيئًا. هذا الرجل هو نفسه الذي أخذ مخطوطة كتابي الأيك، وبعد أسبوع واحد وافق على نشره، وكنت أظن ألا يجرؤ، وقد جعل مني أصغر مؤلف في السلسلة التي أطلقتها دار الهلال عام ١٩٥٢، كان كتابي هو التالي لمذكرات المناضل المفكر عبدالعظيم أنيس وعلى بعد أعداد قليلة من ابن حزم الأندلسي.
كانت مكافأة كتاب الهلال خمسمائة جنيه، أجرًا مقطوعًا، قبلها عبدالمقصود عبدالكريم أجرًا لترجمة شاقة، مثلما قبلتها مسرورًا عن كتابي «الأيك»، وكلانا عرف رجلاً دمثًا صاحب قرار يعمل في ظروف شديدة التقشف، كان هذا قبل أن يلتقط التوافه تعبير «قوة مصر الناعمة» من فم محمد حسنين هيكل ويرددونها مثل بط يلتقط البصقة ويزدردها دون روية أو تدبر وكأنهم يقولون: «انظر أيها العربي، غير المصري، نحن نأسرك بقوة مصر الناعمة، نحن نسيطر عليك!».
كنا نعمل فحسب، كأفراد في الكتابة والرسم والموسيقى، وطواقم عمل في السينما، كلٌ يؤدي كفرد ويفكر فيما يمنحه للمتلقي الفرد كذلك. الإتقان ولع ذاتي وتعبير عن الكرامة الشخصية، واحترام المتلقي الذي لا وجود للكتاب أو الفيلم من دونه. المبدع ليس جنديًا في حرب يدخلها بلده ضد غيره من البلدان!
كانت السينما وكان الكتاب تعبيرًا عن إرادات صناعها. كانت الهلال المجلة، وسلسلة كتاب الهلال وسلسلة روايات الهلال ثلاث حفلات شهرية في كل البلاد العربية، لا منًا ولا تفضلاً ولا حربًا ناعمة. وعندما صرنا نرجع إلى الخلف، بدأ الحديث عن «قوة مصر الناعمة»!