عديد من الكتاب تناولوا النزعة الاستهلاكية في العالم. هناك من يحمل الثورة الصناعية وما جلبته من وفرة في القرن التاسع عشر مسئولية هذا الولع، البعض يبحث عن جذور ذلك الولع في الأديان، مقارناً بين أديان الشرق الأقصى والمسيحية والإسلام، والبعض يلقي باللائمة على تقنيات الإعلان والتسويق التي اختلقت هذا الجنون اختلاقاً، وخلقت الهوس بالماركات العالمية الشهيرة التي تباع بأسعار خيالية. ولا أحد، في حدود ما قرأت، تناول دور الحياة الألم الوجودي المصاحب للحياة في مدينة كبيرة في خلق هذا الجنون: ألم أن يكون المرء لا أحد، ويسعى لأن يكون معروفًا عبر ماركة قميص أو حذاء!
في قصة عبقري الخفة أنطون تشيخوف “النحيف والبدين” يفخر البدين على الموظف المسكين بقوله: أنا معروف في البلاط وأنت غير معروف.
وليس بوسع كل الناس أن يكونوا معروفين في البلاط، أو حتى معروفين لعابرين آخرين من أمثالهم، لكن بوسعهم أن يتميزوا من خلال المظهر؛ فكانت العلامات التجارية الشهيرة المصحوبة بإنفاق على الدعاية يفوق الإنفاق على الإنتاج، لأن العلامة يجب أن تكون معروفة وتعلن عن صاحبها وتجعله معروفاً في أي مكان يذهب إليه.
لا ننكر تميز منتج العلامات التجارية الشهيرة في معظم الأحوال، ليس دائمًا، كما أن إيجاد ذات الجودة لدى صانع محلي صغير ليس مستحيلاً على أية حال!
وكان وجود علامة الماركة مخفيًا في الطيات الداخلية، ولم يكن من اللائق أن تستوقف أحدهم لتقلب باطن الجاكيت أو تشده من قفاه لتقلب ياقة القميص لتتعرف عليه أكثر. ومن هذه الصعوبة، جاء الإلهام العبقري للمسوقين بوضع العلامة في مكان بارز على الصدر، بلون مخالف للون الملبوس والمركوب وبأحجام مبالغ فيها في بعض الأحيان.
هكذا صارت العلامة التجارية هدفاً. لا الراحة ولا صحية الملبس التي يمكن أن يوفرها صانع صغير تغني عن هذه الشارات التي أصبحت تمائم وأيقونات دينية فوق الصدور. ومهما كانت جودة منتج محلي من البدلات الرياضية، فإنه يعامل في أحسن الأحوال كبيجامات للنوم، بينما المنتج المماثل العابر للثقافات، يسمح لمرتديه باقتحام الأماكن العامة والتنقل بحرية وتباه ببركة الوسم المقدس.
العلامة كانت في البداية جواز مرور يجعل من البيجاما بدلة رسمية، ومع الوقت صارت البيجاما إلى تقاصر، وأصبح “الشورت” و الفانلة بالحملات مقبولة في الفضاء العام أيضاً. كلما ترسخت عبادة العلامة يتم التخلي شيئاً فشيئاً عن الكم والكيف في الأزياء، حتى يأتي يوم يصبح فيه تعليق العلامة كقلادة على الجسد العاري كافياً لكي يُرى في أبهى حلة، ولا يمكن حتى لطفل أن يكتشف عريه