أول كل شيْ

الـ “باب” كلمة من أول حرفين في الأبجدية، وهذه مصادفة لغوية تتطابق مع رمزية الباب ووظيفته؛ فهو المبتدأ والمنتهى لكل أمر وكل مكان. وعبر التاريخ تكونت للباب رمزيته وقداسته وتكرست وظيفته الأولى وهي الحماية وحفظ الخصوصية، حتى نستطيع أن نقول إن الباب يصح من دون بيت ولا يصح البيت من غير باب.

وهذه الرمزية هي التي تجعل الأبواب الزجاجية لمحلات الذهب والمتاجر الفاخرة مهابة، وهي التي تجعل من البوابات بين الدول (المعلقة في الفراغ كرسوم تجريدية) منافذ مشروعة ومهابة، على الرغم من إمكانية العبور من دون عوائق على طول الحدود.

البيت المنزوع الباب ليس بيتاًً، والبيت المعرض لمداهمة الأمن أو قوة الاحتلال ليس ببيت. وهاتان القوتان (الأمن والاحتلال) غليظتان بحيث لا تمنع أذاهما التمائم والأدعية التي يعلقها الناس على الأبواب لحماية البيوت وسكانها  من العيون والأرواح الشريرة القادمة من خارج البيت.

الباب برزخ، لا يتشابه العالم أمامه مع العالم خلفه، وهو الفاصل بين الحياة والموت، وبين النعيم والجحيم،   العبور إلى الفردوس أو إلى الجحيم يمر عبر أبواب، عددها عشرة عند المصري القديم، حيث يقف الخارج إلى النهار أمام كل بوابة ويقرر أنه لم يغضب والديه، فينفتح أمامه باب، لم يغرر بامرأة جاره، فينفتح الثاني، وهذا هو أصل الكبائر والوصايا العشر.

إلى السماء عرج النبي محمد وعبر البوابات عبر من سماء إلى أخرى؛ فاقترب ورأى. والأعمال تصنف في “أبواب الخير وأبواب الشر”.

و”الباب” هو الاسم الآخر للبهاء، ولدى الشيعة العتبات والأبواب مقدسة، كذلك الحال بالنسبة لمصر السنية التي تحفظ لمزارات الأولياء وأبوابها قداستها. والباب هو السر، وما ينطوي عليه الضريح، وقدس الأقداس وغرف الاعتراف، والكعبة.

الأفعال الاجتماعية تُحمل هي الأخرى على أبواب (من باب العشم، من باب المحبة، من باب الأصول الخ) وهو رمز شرعية ونبل المقصد، يقول المصريون عندما يستأذنون في أمر غير مستجاب، كخطبة فتاة مثلاً: (لقد جئنا من الباب ولم نأت من الشباك).

وهناك الكثير من الأبواب: أبواب الرهبة والرغبة، أبواب الرجاء وافتقاد الأمل، وأبواب الأغنيات المحفورة في أعمارنا. وقد حاولنا الوقوف على ما استطعنا من الأبواب؛ فما لا يدرك كله لا يترك كله.