الموت لم يعد يؤلم

طوفان الموت الجارف في سورية لا يؤلم أحدًا. لا أعني بلادة إحساس رعاة جنيف واحد وجنيف اثنين. أعني ضمير البشر الطبيعيين الذي ظل حيًا حتى غزو العراق تقريبًا. لماذا لم تشهد لندن، أو نيويورك، مظاهرات كتلك الكبرى التي شهدتها ضد غزو العراق؟

  سورية؛ البلد الذي تلقى الحصة الأكبر من العقوبة الكونية على الثورة، ملاصق للعراق (الذي صار موته عاديًا كذلك) وليس أبعد من فيتنام التي انتفض لها الأمريكيون.

عيون العالم مفتوحة على الموت بالجملة في سورية، والموت بالمفرق المتناثر في بقية بلاد الربيع العربي. ملايين البشر في الشرق والغرب يكملون وجباتهم أمام نشرات الأخبار، ربما يتناولون الفيشار مثلما يفعلون أمام فيلم سينمائي.

هناك شيء ما تغير في طبيعة الجنس البشري، شيء تغير في الواقع أوبمعنى أدق في الوعي بالواقع، ولا يمكن أن يكون كل هذا بعيدًا عن التغير في طبيعة الصورة.

في فيتنام، وفي ربيع أوروبا الشرقية وحتى حرب الخليج الثانية التي أرخت للموت المتلفز، كانت الغلبة لم تزل للفوتوغرافيا، كان بمقدور الإنسان لمس لحظة الموت في الملمس الخشن لصفحات الصحف. وشاء حظ الربيع العربي العاثر أن يتفجر في وقت هزيمة الورق.

الصحف الورقية تراجعت لتصبح ظلاً لبواباتها الإلكترونية. والموت الملموس الذي كان يحدق في القاريء بثبات صار سيالاً، يجري وينتهي بلا ألم مثلما تجري الحياة.

متلمس الفوتوغرافيا يجلس أمام الصورة بحزن قابيل، يرى نفسه مسئولاً بشكل ما عن عار القتل. مشاهد التليفزيون ومتصفح الموقع الإلكتروني لا ينزل إلى نهر الدم الواحد مرتين، لهذا لا يغضب ولا يستشعر فداحة الموت. �R�G�j�