جثمان الزمن

تُمكِّن الفوتوغرافيا الإنسانَ من جسد غريمه الزمن. تثبت لحظة وتعزلها عن سياقها، ويصبح بمقدور المنتصر استدعائها في أي وقت. وليس فعل التصويب ما يحقق ذلك النصر، بل الطقوس التي تجري على الجثمان بعد طرح اللحظة أرضًا بالضغط على الزر.

فعل تظهير الفيلم  ثم طبعه على الورق يشبه فعل التحنيط عند الفراعنة. يمنح اللحظة جسدًا تتأمله أجيال جديدة بمثل اندهاش زوار المتحف أمام مومياء ملكية. ورغم أن اللحظة المستعادة والملك، ميتان، إلا أنهما يمنحان الرائي العبرة، ويستدعيان كل رصيده من الأسى، من الحنين، وربما من يقظة الضمير.

الآن، الكاميرات في كل يد، بعد أن صارت مكونًا رئيسيًا من مكونات أرخص هاتف محمول. والجميع يستخدمها سواء باعتدال أو بشراهة مرضية، بعكس الساعة(عداد الزمن الذي ولد منسيًا في الهاتف). نكره العداد الذي يذكرنا بمرور الزمن، ونحب الكاميرا التي تصلبه أمام أعيينا.

نلتقط الصور، ونخزن في ذاكرة الجهاز ما قد يصل إلى نصف الوقت الذي عشناه للتو، لكن خزين الذكريات الديجيتال لا يوفر لنا إحساس النصر الذي تعرفه أصابعنا في عند لمس جسد اللحظة المحنطة على الورق المحبب أو المصقول.

تشبه اللحظة المخزنة في ذاكرة كاميرا رقمية موت انتحاري لم نعثر له على جثمان أو موتًا غير مؤكد لمحارب في الصحراء تقول لنا الأخبار إنه قُضي في غارة نفذتها طائرة بدون طيار.