كنت أبحث عن شيء ما. فتحت دُرجًا “جارورًا” في مكتبتي فانفتحت أبواب الجحيم. مثلما تنتصب جثة فجأة في تابوت، فتح الماضي عينيه وشرع يحدق في وجهي بوقاحة أنستني ما كنت أبحث عنه.
بعض ألبومات صور، تحمل التاريخ بدقة والشرح الضروري على ظهر كل صورة من صورها، وسط فيض من الصور المكدسة في فوضى، معظمها بلا تواريخ. كنت في الصور في عمر أكبر أبنائي حاليًا، وهم يخطون أوائل خطواتهم، على شاطيء البحر، في منتزه، فوق دراجة داخل البيت (ثلاثتهم متقاربو الأعمار حتى ليبدون توائم). وكنت قررت أن أهبهم طفولة فوتوغرافية أكثر رغدًا من تلك التي عشتها؛ فصرت لا أفوت لحظة مميزة إلا وحبستها على أفلام سرعان ما عرفت طريقها إلى معامل التظهير وعادت لترتيبها، لكن هذا الدأب لم يستمر طويلاً، فسرعان ما تكدست مظاريف الصور، ومع الوقت تمزقت واختلطت صور كل مناسبة مع غيرها. ومع الانتقال من بيت إلى بيت صارت هذا الجارور المخيف الذي تختلط فيه الصور كعظام في مقبرة!
التصوير الفوتوغرافي صراع عات مع الزمن، ينتصر فيه الطرف المستعد. والزمن أقوى للأسف، ندخل حرب الفوتوغرافيا بكامل اليقظة، وما نلبث أن نرخي قبضتنا، فتكون هذه الكومات من اللحظات، غير المرتبة، صعبة الوصف، وكلما طالعناها نتوعدها بفرصة قادمة للتنظيم والتبويب، لكن الفرصة لا تأتي أبدًا، ويومًا بعد يوم نتعلم عدم الاقتراب من الدُرج المخيف كما نفعل حيال غرفة ميت عزيز. �R�[`k�