موت المشارك وموت المشاهد

ليس أقسى من البقاء في مرمى نيران القناصة، إلا إقامة العاجز أمام شاشة التليفزيون.

في اعتصامات ميادين الثورات ومسيرات الشارع، كنت بلحمك جزءًا من مساحة شاسعة من اللحم المتآلف، نفرة الكرامة وحدت لحمك بلحم غيرك،  وحدت اللحم المؤنث بالمذكر. لا وظيفة للجسد إلا الحلم بواقع أفضل.

كنت وسط تلك الكتلة مصدر الخبر، تشارك في صنع الحدث، وكل لحظة تمضي من دون أن يخترقك طلق ناري، تعرف أن هذه القطعة من اللحم بالذات، التي هي أنت، لم تزل تحيا. ربما تحتاج إلى التليفزيون بعد عودتك لترى ما يقع خارج الميدان: ما جرى في ميادين أخرى، القرارات المحلية والدولية، أما عندما تكون بعيدًا عن الميدان ويتصادف أن يكون لديك قلب؛ فستتقلب على جمر نار الفضائيات، وإن تصادف أن كنت وحيدًا، لن يعوزك الماء لطرد أثر النوم من عينك. استسلم لغواية الريموت كنترول لحظة استيقاظك وستقوم الدموع بعمل صنبور الحمام.

الفضائيات قاسية، لكنها معذورة، لا يمكن أن تركن الجثامين على جنب لتبدأ اليوم بحفل راقص لمجرد أن مشاهدًا مجهولاً يريد أن يغسل عينيه بالماء لا بالدموع.

من قواعد اللعبة أن يتقبل أسير الفضائيات الوجوه المتعددة لكل واحدة منها؛ التحالفات الحالية واحتمالات تحول رسالتها مع انتقال دولتها إلى معسكر آخر. الإعلام صار أسيرا مثلك، وعليك أن تتابع كل النماذج وتطارد كل الوجوه بحثًا عن معلومة محايدة فلا تجد سوى مزاعم خصوم مولغين في الدم.

وإن تصادف وكان لك مع القلب وقت أطول للمشاهدة يمكن أن تموت قهرًا من كم الرصاص المنهمر. ولن تغير الفضائيات مزاجها قريبًا، وعليك أن توسع حياتك بنفسك كما يفعل الأسير أو السجين: احلم تحت سياط التعذيب بحدائق وانزع عن شلالات الدم لونها لبعض الوقت، وتصورها شلالات مياه، إنظر إلى النصف الكوميدي من الكأس، حتى لا تموت من المشاهدة،  يكفي من يموتون تحت القنص.