سيمونيتا أنيللو هورنوبي
(روائية إيطالية)
ترجمة: نجلاء والي
كانت أصوات الآلات الموسيقية النحاسية والخشبية لأوبرا «هكذايفعلن جميعا» تتلاحق متسارعة.
رفعت رأسى ونظرت بعيدًا كما لو كنت فى مسرح الأوبرا. كانت حزمة شمس تتخلل الممر الضيق بين الأبنيه ذات الطراز القديم وتسقط فوق رسومات أولاد أخى وأختى المعلقه فوق الضلف خلف خزانة الأقداح، كان نصل السكين يسقط فوق ثمره الخيار المقشرة بنفس إيقاع دورابيلا حبيبتى لاتعرف الخيانة*…
يعتبر إعداد سندوتشات الخيار بالنسبة لى تحديا لابد أن أتمه، حتى لو كان النجاح غير مضمون فإنه يلزم إضافه لمسة بريطانيه لذيذه لإعداد سندوتش الخيار ليصحب الشاي بعد الظهر، فهو استكمال ضرورى لجلسة الشاى.
أبذل كل جهدى، إنه الاحتفال بعيد الميلاد الأول لأوليفر ابن أخى الأصغر، وقد دعوت كل عائله هورنوبى لتناول الشاى: الحماوات، الزوجات، الأعمام، والآباء الروحيين للطفل. كانت شرائح الخبز البيضاء المصنوعه من دقيق القمح الكامل تنتظر بفارغ الصبر فوق قطاعة الخشب التى دهنتها بطبقه من الزبد أخرجتها من الثلاجة الليلة الماضيه، وقد وضعت حلقات الخيار الواحدة فوق الأخرى. إنه عمل دقيق وغير مناسب
لأصابعي لاصابعى العصبية السريعة، كنت أتنفس بعمق، ما إن انتهى من وضع أحداهما ثم ذره من الملح، ورشه الفلفل الأبيض، ثم قطعة خبز أخرى معجونة بالزبد، وهي الخطوة الأخيره والأكثر صعوبة، ما أن أنتهي من كل ذلك، فإنه علي أن أفصل بالسكين ذي النصل العريض الاربعة جوانب ثم أقطع السندوتشات إلى أربعة مثلثات متطابقة دون اخراج الخيار. من المهم أن كل مثلث يحتفظ بشكله وهو محشو، ولا ينهرس فى اليد عند اللمسة الأولى: ساندوتش مثلث مهروس يتحول بسرعه إلى عجينة اعرف ذلك جيدًا.
فقد حدث لى عده مرات.
كنت أتجنب إقامة دعوات لتناول الشاى فى الأشهر الأولى لي فى إنجلترا.
لم أكن أرغب فى تحضير الشاى على الطريقة الإنجليزية ، كنت أريد أن أحضره كما نفعل فى صقلية على طريقتى أنا (طريقة صقلية – شاى مع قطع من الليمون والحلوى فقط : تورتة فاكهة طازجة أو جافة النسخة الصقلية من بلم كيك أو فطيرة الحلوى أو حلوى الشيكولاتة المحشية بالكريمة المخففة بالشانتى ومغطاة بسكر البودرة وفى المناسبات الخاصة تورتة الجوز والكريمة. كلها يتم تجهيزها فى البيت، يصحبها طبق من رقائق السكر والعجائن الصغيرة التى تؤكل فى قضمة واحدة. ولكنى غيرت رأيى بسرعة : كان من اللائق أن اوطن نفسى على العادات الإنجليزية حتى فى مجال الطعام والأكلات.
وبعد أن تخطيت مقاومتى لفكرة المملح مع الشاى الحلو، أكتشفت أن الشاى الإنجليزى لذيذ وأن الساندوتس ممتاز بالخيار ، بالجبنة الشيدر باللحم المقدد ، الدجاج والروز بيف، بعجينة الأنشوجة ، بالسالمون المدخن ، البيض المسلوق و الأعشاب. غطيت طبق السندوتشات بفوطة من الكتان الابيض، ووضعته فى الثلاجة. ارتشفت ما بقى من القهوة وكانت لا تزال دافئة ، وأضأت النور، كانت أشعة الشمس تضرب بقوه فوق الأحجار الحمراء للبناية المقابله. كنت مستعدة لتحضير تورتة الجوز: إتبعت وصفة أمى بحذفيراها، فكانت تبدأ دائماً من النهاية ، بتجهيز طبق تقديم التورتة، حجم التورتة يتوقف على عدد الضيوف و يحدد كمية المكونات مكيال واحد أو واحد ونصف. أكثر من ذلك يجب تجهيز تورتتين وبعد إختيار ووضع ثلاث عشرة حبة من الجوز فى نفس الحجم فى طبق صغير لتزين التورتة، يتم تجهيز الوعاء، و المضرب لضرب بياض وصفار البيض بالسكر والأدوات الآخرى. ثم يتم وزن المكونات ، نظرت حولى ، مطبخ شقتى فى اشيلى جاردن جاردن و حديث مجهز بخزانات معلقة بأبواب بيضاء، لم أكن أتذكر أين وضعت الوعاء الإستنلس الذى يمكن إدخاله الفريزر والتى سأستخدمه لضرب بياض البيض ووضعه فى مكان بارد قبل إضافته إلى العجين.
كنت افتح واغلق ضلف الدولاب بحثا عن الوعاء اللعين دون جدوى وكنت اتحسر على الارفف المفتوحة لمطبخ شقتى القديمة فىدوليتش .
عثرت على الوعاء، الخطوة الأخيرة دهن الصينية بالزبد ، نثر ملعقة سكر وهز الصينية جيدًا كي تلتصق التورتة فى القاع والجوانب بالسكر، طبقة من السكر الخفيف والمتساوى وعند نضج التورتة كنت سأفصل التورتة عن الصنية بالسكين المسطح وكانت رائحة تورتة الجوز مع اضافة قليلة للكراميل اللذيذ ستملآ المطبخ.
اخيرًا وضعت فوق الأرفف وفوق طاولة العمل كل ما يلزم من المكونات وأدوات الخفق. نظرت إلى أعلى على الحائط. أمامى لوحتان لعربات يد صقلية، كانت إحداهما مزينة برسومات ميلودراميه من أورشليمالمحررة* مناظر طبيعية كثيرة من أنهار، وجبال ،قلاع ،جسور وحصون ورايات. والأخرى تمثل سالومى فى ثياب شفافة تظهر السرة فوق بطن طرية- ترقص عند عزف المندولين أمام هيردوس ذى الشعر الأسود اللامع والشفاه الشرهة. الأم الشريرة تنظر بسرور إلى الجواري الخائفة التى تهرب رعبًا. لوحات بدائية بسيطة إلا أن رسوماتها تعكس حب الحياة وفضول المعرفة لدى الفنان الباليرمي المجهول.
كان مقطع «لاتعاند» من أوبرا «هكذايفعلن جميعا» يصدح فى البيت ويذكرنى بالنظرة العذبة، الحالمة الساخرة لأوليفر الصغير وبجانبي فوق المنضدة كراسة الوصفات – المكتوبة بخط اليد وذات الفهرس المكتمل والتى دستها أمى فى حقيبتى عندما تزوجت فى سن العشرين وسافرت إلى بوسطن كانت صفحة 3 مفتوحة . وعنوانه تورتة الجوز لا يمكن قراءته، كان الحبر باهتًا، كانت الصفحة مليئة ببقع أصابع دهنية : إنها حقا حلوى من بيتى.
كنت أكرر حركات أمى حتى فى طريقة وزن المكونات، باستخدام ملعقة قهوة لتسهيل مرور الخبز المطحون من القمح، فى اختيار حبات الجوز المقشر اللازمة لتزيين التورتة، بشر الجوز بخفة كيلا يعصر زيته، فى ضرب صفار البيض مع السكر للحصول على كريمة صفراء ذهبية، وفى ضرب بياض البيض وبعد خلط المكونات فى لحظة اضافة العجين فى الصنية المدهونة بالزيت والسكر كانت أمي تضيف ملعقة الروم.
“يساعد على انتفاخ التورتة وعلوها ” كانت تقول ذلك وهى تستنشق رائحة الروم ثم بسرعة شديدة بضربات قليلة كانت تخلط العجين وتضع الصنية فى الفرن الساخن.
عندئذ فقط ، كانت ترتاح لمدة دقيقة، تجلس إلى المائدة تشعر بحرارة شديدة، كانت ترفع بظهر يدها خصلات شعرها التى سقطت فوق جبينها وتعيد و ضع المريلة. تفحص حبات الجوز المقشرة، تمسك بها الواحدة تلو الاخرى وتنظر اليها جيدا ثم تنسقها ببراعة بطول الطبق التورتة الكبير. تضع الحبة الاجمل والاكبر فى منتصف التورتة المغطاة بالكريمة المخفقة. كانت امى تستطيع دائما ان تجد العديد من الحبات المكسرة لنا.
خذى! كانت تقولها امى وهى تعطى حبة الجوز لكل طفل من الاطفال الكبار- جاسبارا ،ماريا وانا ثم تلقم الصغار فى افواههم وبعد ذلك تأكل القطعة الاخيرة والصغيرة …
احتفظت أنا ايضا بقطعة لى.
دق جرس التليفون، كانت مارجريتا سكرتيرتى تذكرنى بموعد تناولها الغداء معي فى اليوم التالى.
نعم بكل تأكيد ، أجبتها وأنا أتذوق الطعم الزيتى لحبات الجوز.
هل تأكلين؟ سألتنى مارجريتا، لايفوتها شيئًا
اخبرتها اننى أعد الشاي لحفلة أوليفر وبأننى لم أنس موعدنا وقد اشتريت كل مايلزمنى لعمل صلصة الباذنجان والكوسة المقلية.
علقت: تذكري أننا نتقدم فى السن وأنت لست فقيرة . يجب أن تكفي عن قضاء وقت طويل بالمطبخ ، افعلي مثلي أنا أشتري طعاما ممتازًا جاهزًا من محل البقالة، و من محل الحلوى ومن السوبر ماركت. ما الذى تجنينه من كل هذا التعب.
إعداد الطعام متعة الاعتناء بمن تحبين، الطعام يتحول إلى وجبة لعائلتك. طهو الطعام للآخرين : أمر فطري، غريزة أنثوية ودور تقليدي قديم للمرأة .
المرأة هى من تقوم بفطام الأبناء، تختار لهم الطعام الصحي، تخترع أطباقا جديدة ، تطبخ ما تم صيده أو جمعه: يتفتق ذهنها عن طرق لجعل الطعام يكفى للجميع فى زمن القحط.
الآن يعمل النساء والرجال ، وأصبح من الممكن تبادل الأدوار، لم يعد إعداد الطعام واجبًا على المرأة، إلا أن الأكل لايزال ضرورة يومية ملحة.
طهو وصفات العائلة يشعرنا بالقرب منها ومن تاريخها.
من يعيش بعيدًا عن موطنه، يستأنس دائما بأكلات بلاده، عندما يعد طبقًا ، وصفة من أطباق العائلة يتناولها مع أصدقائه أو وحده .
طهو الطعام يجعلنا ننسى همومنا ويهدىء من القلق. إعداد حساء الخضراوات، تقطيع الخضراوات بسكين ضخم ، إعداد كرات اللحم بنفس الحجم لتنضج معًا فى نفس الوقت. رص الكرات فوق طبق التقديم . إعداد البسكويت ووضعه فى صينية الفرن، كلها حركات تشحذ الانتباه وتدرب اليدين مثل العاب الأطفال وتأتى النتيجة لترضينا.