بالتزامن مع صعود محمد علي الزيبق تتصاعد موجة سب على وسائل التواصل لمن يسمون «النخبة» وذلك «لأنهم متعالون وغير مفهومين ومعزولون وعجزوا خلال سنوات من الوصول إلى ما حققه محمد علي في نحو ساعتين من البث من شقته في برشلونة على اليوتيوب.» وفي الوقت نفسه حفزت فديوهات الممثل المقاول الكثيرين على التذكير بالمستشار جنينة وعنان وغيرهما، فهل يعني ذلك أن جنينة مثلاً ليس من النخبة؟
مبدئيًا، سبق وأن تحفظت في مقالات منشورة في صحف كبيرة كالمصري اليوم، على تعبيرات هلامية غير محددة كـ «النخبة» و«المثقفون» . لكن لا بأس، يمكننا رغم عدم دقة المصطلح أن نفهم أن المهجوم عليهم هم وجوه المعارضة السياسية المتداخلة مع وجوه الثقافة وكتاب المقالات المعارضين. وبهذا فهذه الفئة محدودة العدد والعدة أصبحت هدفًا لنهش جمهور يكره السلطة، وهي من البداية كانت وأصبحت وستظل هدفًا مباشرًا لتنشين السلطة ، وهي كذلك هدف لعلي الزيبق، فالشاب لا يكف عن التبرؤ من الثقافة والسياسة والتأكيد على أنه «ابن بلد» مطالبًا خصمه بالتحلي بأخلاق وقيم أبناء البلد!
بالبديهة فإن من يشتم «النخبة» هو شخص لا يضع نفسه ضمن هذه النخبة، ويعتبر نفسه واحدًا من الجمهور البسيط الذي ليس نخبة، لكنه مع ذلك هو يفهم ألاعيب النخبة: من فسد ومن عجز. وهذا محير؛ فكشفه لألاعيب النخبة يجعله في الواقع في مستوى هذه النخبة، ويجب أن يرتب ذلك الفهم مسئولية عليه. لكنه يختار إدانة النخبة والتبرؤ من شبهة النخبوية، أي التنصل من المسئولية!
إذا كنت أقل من أن تكون نخبة، لماذا تتطفل على الكتابة وتصدر الأحكام على الآخرين؟ تكتب لأنك وجدت الانترنت في يدك مثلما يعبث الجاهل بجسم غريب وجده في الشارع؟!
هذا هو التناقض الذي يقع فيه مغردو تويتر، وهذا هو الظلم الذي يمارسونه ضد حفنة من السياسيين كانوا دائمًا ممنوعين من الاختلاط بالجمهور، ثم أصبحوا ممنوعين من الاختلاط ببعضهم البعض. ويبدو أن الدكتور البرادعي كان محقًا، عندما كان يصر بعد عودته في ٢٠١٠ على أنه واحد من الناس ولن يفعل شيئًا «مش أيورن مان يعني» وكان قوله هذا محل انتقاد مرير من الجمهور الذي يذم النخبة الآن.
وليس هناك غير افتراضين لهذه الحملة.
*الافتراض الأول حسن النية أن من يهاجمون «النخبة» أشخاص غاضبون مما يرونه عجزًا للنخبة ، وذاكرة هؤلاء المهاجمين متوعكة بعض الشيء، فهم لا يتذكرون محاولات النخبة المجهضة، ونسوا أن بعضًا من هذه النخبة، صنع ائتلافًا اسمه «صحوة مصر» لخوض انتخابات البرلمان السابقة، وكان كل مرشحي الائتلاف من حسني التعليم وليسوا إخوانًا أو فلول وطني. كان ائتلاف نخبة تريد أن تدفع بمصر إلى الأمام. وتم خنق هذا الائتلاف بالإجراءات، ليخرج المجلس القائم حاليًا بريئًا من أية شائبة نخبوية! ولم ييأس هؤلاء المومنون بالسلم والسياسة واللغة العادلة والعالية والمفهومة، فحاولوا تأسيس إئتلاف «أمل» فكان ما كان!
*الافتراض الثاني لتفسير الهجوم على النخبة، حذر ولا يقود إلى الاعتقاد ببراءة المهاجمين وحسن نواياهم؛ بل بسوئها، حيث يخدم هذا الهجوم اتجاهًا ينازع النظام سلطته، ويتمسك هو الآخر في «الجيم» الذي يلعبه باستبعاد السياسة، أي استبعاد قوى المجتمع العاقلة من المعادلة.
محمد علي الذي يشدد على أن تعليمه ثانوي فني يتمسك بالاسم الأجنبي للعبة ويردد لفظ «جيم» طول الوقت. فهل نحن فعلاً بصدد جيم تتفق أطرافه على إخراج العقل من المعادلة؟
هل على النخبة أن ترتاح وتنتظر نتيجة «الجيم» وهل النخبة تستطيع أن ترتاح وتتجاهل ما تراه عملاً بطلب اللاعبين والجمهور؟
أي هدر هذا يا إلهي!