كل الأديان تُعلي من رمزية الصعود، وكل ركاب الطائرات يعرفون لذة انخطاف الروح لحظة الانفصال عن الأرض، وتلك الملامسة الخطرة للمصير، ثم خفة؛ فنسيان الكينونة بعد العرض العبثي لإجراءات السلامة!
تقوم المضيفة بتمثيل ارتداء قناع الأكسجين، وطريقة نفخ السترة الواقية، وتشير إلى مخارج الطوارئ، بينما تدرك كما يدرك الرُكَّاب أن أخطار الطائرات لا تنفع معها أية احتياطات، فإما الهبوط بسلام في المكان المحدد، وإما التبدد التام.
من الخير للمسافر أن يبحث عن الأمان في بريق عيني نافخة السترة، لأن التفكير بجدية في إجراءات السلامة من شأنه أن يثير الرعب، ومن أجل سلام جميع الأرواح المؤنثة والمذكرة تُكلِّف بعض شركات الطيران مضيفة ومضيفًا بتقديم عرض السلامة معًا.
أفترض أن الكثير من ركاب الطائرات لا يعرفون إن كانت سترة الراكب تحت مقاعدهم أو تحت المقاعد التي أمامهم، أو إن كانت كمامات الأكسجين ستتدلى من تلقاء ذاتها عند الخطر وإنها ستعمل كما في وعود عروض السلامة. أنا واحد من أولئك الذين لا يكترثون.
لم يرجع أحد من طائرة معطوبة ليخبرنا إن كان ذلك العرض المثير للقلق قد أفاده في الحصول على ميتة أقل رعبًا.
طائرة واحدة أتذكرها لم يتسبب عطل محركها في رعب أو موت. كانت تلك الطائرة الخيالية في «الأمير الصغير» ولم ينقل الراوي الطيَّار للقارئ قلقه من ذلك العطل الذي تسبب في أجمل رحلة في تاريخ الأدب.
لكن الخبر السئ الذي لم تتضمنه الرواية هو أن المؤلف لقي حتفه بعد نشرها بعامين في حادث تحطم طائرة نتج عن عطل في المحرك كالذي وصفه في الرواية.
من الخير إذن، تجاهل عرض إجراءات السلامة، والتركيز في التجريد اللطيف الذي تصير إليه الأرض بينما تواصل الطائرة معراجها حتى تستوي على ارتفاعها المهول.
النظر من الشُبَّاك لأسفل يمنحنا أفضل فكرة عن البشر. تبدو الأرض كأطيب ما يكون المكان؛ لا زنازين ولا قصور. اليابسة مجرد سجادة واسعة ناحلة الوبر مقسمة كيفما اتفق بين الأخضر والبني والأصفر، بينما تبدو البحار أحواض سباحة لطيفة وهادئة.
وعندما تناور الطائرة وتنخفض قليلًا تبدو الحافلات مثل لعب أطفال بحجم عقلة الإصبع، ويبدو البشر النمل ـ إن ظهروا ـ مجردين من قوة الشر الظاهرة والكامنة فيهم. كيف إذن يرانا الله؟
طرحت على نفسك هذا السؤال أو لم تطرح، فما يعنيك الآن هو الاستمتاع بلذة كونك غير موجود. وعلى الأقل غير مرئي؛ لست وحدك الميت بالنسبة لمن تركهم وراءك، إنهم كذلك ميتون، وأنت خفيف كريشة في الهواء؛ فانس الحياة الضئيلة، ولا تُفوِّت فرصة تأمل السحاب تحتك؛ لأنك لن تراه بعد ذلك أبدًا؛ فمهما سافرت، لن تعبر السماء الواحدة مرتين.
““` من «غرفة المسافرين»