امرأة تتمنى من كل قلبك أن تشيخ بين يديها

الصور السياحية لجزيرة سانتوريني لا تكذب؛ فهكذا يلتقي أزرق السماء مع فيروز الماء مثل شفتين ناعمتين، يصبح لهما لون ياقوتة شهوانية متوهجة عند الشروق والغروب، وبين الشفتين بيوت بيضاء صغيرة مثل أسنان ناصعة.

البناءات صغيرة بشرفات فطرية خشنة الملاط، المحال بأبواب زرقاء من خامات أخشاب مقتصدة كأبواب دكاكين الريف القديمة في مصر، وليس في سانتوريني الكثير من العشب والأشجار الذي تنفق إدارة الجزيرة لتهذيبه كما تفعل مدينة كومو مثلاً، وليس لفنادقها فخامة البناء والخدمة الأرستقراطية التي في جزيرة كابري، ولن تجد على شواطئها رمال مرسى مطروح الناعمة.

لا شيء يبرر الأسعار الغالية، لكن السعر في السياحة فعل اصطفاء أكثر من أي شيء آخر؛ فهناك فئة من السياح تقبل بالأسعار العالية مقابل لخدمة واحدة: منع تطفل الفقراء. 

ونظرًا لغياب التعقيد الجمالي الذي تجده في بناءات وصروح المدن التاريخية الكبيرة، ستعرف عيناك البطالة سريعًا جدًّا، وتضطر للاهتمام بالآخرين لتعويض فتور حماستك في متابعة جمال الطبيعة المستقر عند خط اللامعقول. 

حاول ألا تلتفت إلى الرفقات غير المتناسقة. ابحث عن الحب، وستجده في كرسي بعجلات يجلس فيه وسيم يبدو في التسعين، تدفعه جميلة فارعة في السبعين، أو أقل قليلاً. امرأة ستتمنى من كل قلبك أن تشيخ بين يديها. رجُلها ليس عاجزًا. يمشي أحيانًا، وهي تجر الكرسي، الفارغ خلفها، وعندما يبدأ بالتعرق تستوقفه، تجفف له عرقه بمنديلها وتقنعه بالجلوس في الكرسي، وتبدأ بدفعه.

تتدبر أمرها معه في الحارات الصاعدة الهابطة، في مداخل المطاعم المطلة على البحر بانحدار أو ارتفاع كبير. ولن تضبطها متذمرة أبدًا. 

يمكنك أن تتخيل أن زيارتهما لطبيعة وعرة غلطة تتحملها السيدة برحابة صدر، حتى يجمعك بهما بيت شعبي يُقدِّم عرضًا مسرحيًّا يحاكي عرسًا شعبيًّا يونانيًّا في الحديقة الداخلية للبيت، وستعرف منها أنهما يعودان إلى الجزيرة كل عام منذ أن تقاعدا.

 العرض مشمول بعشاء خفيف من الجبن والزيتون وأردأ نبيذ يمكن أن تتذوقه في حياتك، لكنك ستشارك في الرقص لتهنئة العروسين. يأكل العجوز الوسيم ويشرب بشهية بادية مستمتعًا بتجربة طعم مبتذل ربما لم يعرفه في حياته المرفهة، والرفيقة منتبهة إليه كطفلها. تمسح له ما يسيل على شفتيه من النبيذ، وتنفض نثار الخبز من فوق قميصه الأنيق، ثم تأخذ بيده إلى حلبة الرقص. يمانع في البداية، ثم يستجيب كطفل مطيع.

ستقع في حبهما بالضرورة، ابق بجوارهما في حلقة الرقص، امسك بيد السيدة، ستستشعر حرارة دمها. يدها الأخرى في يد الرجل، ويده الأخرى في يد رفيقتك الصغيرة الحلوة. الرجل يزحف بقدميه زحفًا، لكن ذاكرة جسده تعي الرقصة جيدًا. 

يجذب الثنائي اهتمام الحاضرين، يخطف الأضواء من الممثلَين اللذين يقومان بدور العروسين. وستتوقف الموسيقى احترامًا لحدود جهد الرجل، وسيبدأ بمغادرة الحلبة. تزحف قدماه ورفيقته تسنده إلى أن تجلسه على كرسيه وسط عاصفة من التصفيق، وتجلس في مواجهته. يمكنك في تلك اللحظة أن تسافر في بريق عينيها، وتصل إلى مرفأ الماضي، ستراه فتيًّا في الأربعين مسيطرًا بجاذبية لا تُقاوم، وتراها عشرينية فاتنة، لم تأبه لتحذيرات أسرتها. 

اسألها عن حياتهما، ستجيبك بينما تُدّلِك موضع القلب منه: «لم يخذلني أبدًا هذا الفؤاد».

ـــــــــــ

من «غرفة المسافرين»