نصب تذكاري

قصة: أميليا غراي

ترجمة راضي النماصي

لوحة مايكل جريفيز

التقى أهالي القرية بعضهم في المقبرة إبان الوقت المتفق عليه. جلبوا قناني خلٍ لأجل العشب وكميات كبيرة من المياه والخِرَق والصابون. جرّ عامل حدائق مقدار حمولة شاحنة من النباتات التي تقاوم البرد إلى الداخل، وجلبت سيدة بعض الزهور التي حشرتها في سلة غسيل، وأحضر بعض الرجال مجارف كي ينبشوا الأرض حول شجرة المقبرة الوحيدة. شغّل أحدهم آلة لجز العشب.

انخرطوا في العمل دون لغو، فحكّوا شواهد القبور حتى لمعت الأسماء، وانطلقت جزازة العشب فبدأ مالكها يرى حدود الموقع، كما جمع أحد الرجال الزهور الذاوية في كيس قمامة، وحمل الأطفال أكياسًا صغيرة وأقداحًا من المياه وقاموا بتنظيف تفاصيل الشواهد المنحوتة بأصابعهم. أبدى كل شخص ما في خاطره من احترام تجاه القبور التي نظفها؛ إذ كانت تلك مراقد أصدقائهم وجيرانهم، حتى أولئك الذين ماتوا منذ زمن بعيد وخلّفوا أجيالًا وراءهم. عمل الغالبية في صمت. أخذ رجل استراحة من تلميع شاهد قبر زوجته الحجري كي يمسح عينيه بمنديل، وصفر أحدهم بلحن أنشودة. كان العمل حول الشجرة يسير على ما يرام، إذ كانت جذورها مضرة بالأرض فاحتاجت المنطقة إلى تشذيب وإعادة ترتيب. قام أحد رعاة الكنيسة بالتلويح بمجرفة مليئة بالوسخ إلى أبعد بقليل مما أراد، فضربت إحدى شواهد القبور ورمت جزءًا منه إلى حيث يقع العشب الطويل.

رن صوت معدني خفيف عبر الحقل وأوقف العاملين. أراد الناس رؤية ما حدث، ورمى البعض ما في يديهم واقتربوا، ثم نظروا إلى الحجر بينما يمسحون جباههم بأكمامهم.

كان قبر واحدة من خيرة أفراد المجتمع، امرأة رثوها بإجلال حين ماتت. كان أغلب أقاربها ضمن من حضروا، ولعب أحفادها الصغار غميضة ملأى بالأشباح بين القبور. نظر الذي لوّح بالمجرفة إلى كل واحد منهم على التوالي.

اقترب أكبر أبناء المرأة كي يفحص الضرر، فمرر اصبعه على الحجر من خلال المنطقة المتصدعة. لم يكن [حجر] الغرانيت قديمًا، لكن ساءت حالته بعد سنين من المطر والشمس. ما زال اسم أمه واضحًا، والأخاديد المنحوتة محفوفة بالأوساخ.

كان خط من وسخ الأرض بارزًا حيث ضربت المجرفة، وكشفت المنطقة المزاحة عن الميكا اللامعة في الداخل. وضع يده المبسوطة على الجزء المنفصل البارد المكشوف توًا تحت شمس ما بعد الظهيرة فبدا لين الملمس.

وحين رفع مجرفته، تراجع الجمع خطوة إلى الخلف. لوح بها مثل فأس باتجاه شاهد القبر، فانهالت بوقع ثقيل قاصمةً قطعة أكبر. مال إلى الأمام ولمس المكان مجددًا. كان نضرًا للغاية مثلما بدا رطبًا، وكأن جدولًا من مياه الينابيع مر به؛ فرفع المجرفة مرة أخرى.

وقف أهالي القرية متفرجين على عمل الرجل المدمر. وبعد دقائق، مالت إحدى النساء ووضعت كامل ثقلها على حجر لامع، فسقط منقسمًا إلى نصفين، فغطته بحفنات من التراب. ثم أخذ عجوز آخر مجرفة إلى نصب أخته، واقتلع الملاك الرقيق الذي كان يتوجه. انهال ضربًا على رأس الملاك، ثم حمله ورماه بقوة مفاجئة إلى خارج السور البعيد.

انطلق الناس إلى العمل. قام الأطفال بتكسير الحجر الجيري باستخدام المساطر، وعاد أحدهم إلى شاحنته بحثًا عن مضرب البيسبول، وضربت امرأة شاهد قبر زوجها بقبضتيها حتى أبعدوها وأعطوها معولًا؛ ومضوا على هذه الحال حتى لم يبق شيء.