ثلاثية ألف ليلة من مجلة فصول..المطبوع لا يموت

المثل يقول «اللي خلِّف ما ماتش» والذي  كتب ونشر لا يموت. هكذا أنظر إلى  الأعداد الثلاثة التي خصصتها «فصول» مجلة النقد الأدبي لألف ليلة وليلة عام ١٩٩٤. أحتفظ بهذه الأعداد في رف الليالي بمكتبتي وكأنها طبعة مختلفة من النص الخالد.

أحتفظ كذلك بأعداد أسبق بقطعها الكبير في زمن الدكتور عز الدين إسماعيل. كانت فصول  المجلة التي حملت مناهج النقد الجديدة، وعرفت بها وطبقتها على النصوص العربية، لكن  ثلاثية ألف ليلة كانت بمثابة ذروة موسيقية في ذلك اللحن الرصين.

لم تترك الأعداد شيئًا عن ألف ليلة: البنية والدلالة،الزمن، جغرافيا الليالي، الأصل، الأقنعة والخيال، واستلهامها في الموسيقى.

وحملت الأعداد أسماء أهم من بحثوا في الليالي: محسن مهدي، فريال جبوري غزول، أحمد كمال زكي، عبدالفتاح كيليطو، ونحو خمسين باحثًا بينهم عدد من الغربيين: جيروم كلينتون، إدجار فيبر، سيلفيا باڤل، وغيرهم.

حملت الأعداد كذلك العديد من شهادات الكتاب العرب، وليسامحني الله، كانت معظمها في واد آخر قريب المأخذ، بخلاف الدراسات النقدية للعرب والأجانب.

وراء هذا الجهد وقفت أسرة تحرير متميزة، برئاسة جابر عصفور، ونائبته هدى وصفي ومدير تحرير حسين حمودة، وحازم شحاتة شهيد مسرح بني سويف وفاطمة قنديل. بالأحرى يقف هؤلاء أمام الباحثين المشاركين في هذا الجهد. الباحثون موجودون ولهم مؤلفاتهم، لكن اجتماعهم في مجلة يكون دائمًا بجهد محرريها، وإليهم يُنسب هذا الشرف. 

وتمنحنا هذه الأعداد فكرة عما يجب أن يكون عليه المحرر الأدبي، لا تكفي المعرفة الممتازة  بأصول مهنة الصحافة، ولا المعرفة الجيدة بالأدب، ولا أجندة التليفونات الواسعة  التي تؤكد على اتساع مصادره، بل إلى المعرفة الدقيقة بانشغلات كل من يستكتبهم في شأن أو قضية؛ فبهذه المعرفة تحديدًا يعرف إلى من يتوجه بسؤال أو استكتاب لشخص محدد في ملف وليس في آخر، وماذا يطلب منه بالتحديد.، لكي يصدر الملف متكاملاً يغطي أسئلة الموضوع، ولا يكرر كاتب ما كتبه آخر.

تؤكد هذه الأعداد كذلك ، أن الملف الذي يحمل قضية أو ظاهرة، هو العمود الفقري لأية مجلة تريد التأثير، بل والبقاء مرجعًا، لا تموت، بعكس صيغة الكشكول الكسول التي تنتظر مبادرات الكتاب، فتغيب قضايا وتحضر قضايا دون أن تستوفي حقها.