اعتراف أولي:
أعترف أنني تابعت دون اهتمام كبير أخبارًا تتحدث عن «فتيات التيك توك» دونما كبير اهتمام، خصوصًا وأن هناك من يتهم الكُتَّاب بالإصرار على الإفتاء في أي شيء، وبخيال أدبي أكثر منه صحفيًا تصورت أنهن فتيات يظهرن راكبات توكتوك ويقدمن رقصات مما تعتبره السلطات خليعًا أو شيئًا من هذا القبيل، لكن انفجار أخبار الطالب السابق الملاحق باغتصاب ومحاولة اغتصاب وتحرش بنحو ١٠٠ فتاة، وانخراط ناشطي السوشيال ميديا في المقارنة بين الفتيات والفتى جعلني أشعر بتهديد ما. تهديد الجهل بما يجري، وهو تهديد ثقيل لا يترك للكاتب فرصة للاستمرار في العزلة.
لقاء تيك توك:
بالمتابعة اكتشفت أن التيك توك المقصود هو موقع صيني لنشر الفيديوهات القصيرة، يشبه موقع يوتيوب، أُطلق عام ٢٠١٦ وفي تعريف الموقع بنفسه يقول إنه موقع لتحفيز الإبداع والمرح من خلال فيديوهات بالغة القصر. وعليه بالفعل مشاركات لمراهقين وشباب من جميع أنحاء العالم تعرض لحظات من غناء أو مقاطع رقص عادية من أماكن السهر.
لم أعثر على الفيديوهات التي طاردت الشرطة صاحباتها على الموقع لأنه يقدم إمكانيات بحث محدودة (ربما يظهر محرك البحث للمشتركين ) ولكن الفيديوهات معادة على يوتيوب، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع من المحتوى.
المستوى الأول لفتيات ليل، يقدمن عروضًا للجسد كالتي يمكن أن نراها في أوروبا أمام الأبواب وعبر الفترينات الزجاجية في أحياء البغاء. وقد وجدت هذه الفتيات في الفيديوهات وسيلة إعلان علنية لزبائنهن، ربما ترفع أسعار خدماتهن، وهي في الوقت ذاته تقدم دخلاً إضافيًا عبر الترافيك، أو مرات المشاهدة. إحدى بطلات هذه الفيديوهات تهدد ناسًا تعتبرهم كبارًا، مشيرة إلى فيلم الراقصة والسياسي.
وهناك مستوى ثان من الفيديوهات لمراهقات ومراهقين من أطفال الشوارع. منها سلسلة من الفيديوهات في أول واحد منها تتحدث فتاة تقول إنها ١٧ سنة، يتيمة، تعرضت للاغتصاب من شخص تحدد اسمه، وتقول إنه فعل ذلك بمساعدة بنات أخريات قمن بتصويرها بينما يضربها ويغتصبها. وفي فيديو آخر يدافع المراهق المعني عن نفسه، وفيديوهات للبنات اللائي تم ذكرهن يدافعن عن أنفسهن ويقلن إن ما جرى لها قد تم برضاها، وفي فيديو آخر يخرج المغتصب والمغتصبة معًا ليضعا النهاية السعيدة. الفتاة، وقد زالت الكدمات الزرقاء من وجهها، تشكر من تعاطفوا معها وتقول إن الموضوع تم تسويته، وكان خلافًا بسيطًا والولد مثل أخيها وصديقها.
وعن معامل تحليل البراز:
وراء النوعين هناك فيديوهات لفئة تتمنى أن تنال بركات إحدى الفئتين. مراهقون مثلهم لكنهم لا يمتلكون الشجاعة للحصول على الشهرة بعرقهم كالآخرين، فيقدمون فيديوهات لتحليل الفيديوهات الأصلية، يعرضونها ويعلقون عليها بمواعظ تدافع عن الدين والأخلاق والوطن وسمعته، ولا يختلفون في فشلهم عن المذيعين المدعومين. يؤكدون أنهم حجبوا الأجزاء الأسوأ، لكنهم على استعداد لإرسال الفيديوهات الأصلية على الخاص لمن يطلبها، ويحثون المتابعين على دعم قنواتهم بالمشاهدة والتفضيل كمساعدة لهم في نضالهم الذي يضطرون إليه اضطرارًا، أحدهم يقول إنه تحامل على نفسه وهو مريض، ولكنه لا يستطيع أن يتقاعس عن نداء الواجب (لا تصدقوني فيما يتعلق باللغة؛ فقد قمت بترجمة لغة شديدة الوضاعة، ويتقاعس من عندي بالطبع)!
يتحدثون بلغة مثيرة عن الأجزاء التي يقولون إنهم حجبوها، ويحاجون الفتيات: (يا شيخة؟ دا آنت نايمة معاه بمزاجك، وقلت عيد بقى وأنبسط) لغة تُذكِّرنا بالوعظ الاستمنائي لبعض الخطباء، يصفون المشاهد التي يقولون إنهم حجبوها رحمة بالأخلاق والحشمة.
الفتيات المسكينات اللائي يقوم المحللون الذكور بتحليل سلوكهن لم يقدمن شيئًا من خارج حياتهن. لم يفتعلن شيئًا كما يدعي خبراء تحليل الخراء. سبق أن تابعنا حوادث مدوية مثل قضية «التوربيني» الذي قتل ٣٢ طفل شوارع بعد اغتصابهم في الفترة بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٧ ، لكن العدد الإجمالي لمن اغتصبهم غير معروف. كان عمره ٢٤ عامًا ويقود تنظيمًا للنشل والتسول، ووسيلته لإخضاع بنات وأولاد الشوارع هو الاغتصاب، أي الإذلال الجنسي الشائع في جماعات القرود. وهناك دراسات نفسية في هذا الشأن لمتخصصين أذكر منها الآن دراسات الصديقة الدكتورة رضوى فرغلي.
وفي حلقة من برنامج المشهد مع جيزال خوري تحدثت ياسمين ورباب حسن حاكم . ذكرت رباب المهتمة بأطفال الشوارع حادثًا يشبه ما وثقته وتناولته رضوى فرغلي، عن مشاجرة بين أطفال انتهت بأن جاءها الأولاد بيد ملفوفة في ورقة جريدة. كانت يدًا لأحدهم قطعوها في مشاجرة معه، وفر صاحب اليد المقطوعة. تكاتف المعتدون لتوفير طريقة دفن لائقة بيد صديقهم، وبعد أسبوع وجدت الضحية يلعب مع قاطعي يده، وعندما سألته كيف يلعب معههم؟ قال الولد ببساطة إنهم أصحابه، ولن يخسر أصحابه بسبب يد انقطعت!
هذه القصة التي حكتها رباب ببساطة تنهش القلب، وتفسر علاقة أطفال الشوارع بأجسادهم التي ترخص مقابل تضامنهم البائس. وهذا يؤكد أن الفتاة التي خرجت مع مغتصبها ، كان هذا هو سلوكها العادي وليس بحثًا عن شهرة كما يتصور المحللون الطفيليون!
الدراسات النفسية والاجتماعية تثبت أن هذا المستوى من البنات والأولاد ملف اجتماعي، ولابد أن يكون ملفًا اجتماعيًا ومسئولية للدولة وليس ملفًا أمنيًا أو دينيًا. البنات اللائي ظهرن في فيديوهات من هذا النوع يمارسن حياتهن العادية، بفارق بسيط، هو اكتشافهن أن تصوير هذه الحياة يجلب أموالا!
وأختتم بالمقارنة التي حرضتني. بين أطفال الشوارع من جهة وبين المتحرش الثري المتنفذ من جهة أخرى. هذا الربط بين الملفين يعكس معركة سياسية غير محسومة من ٢٠١١ حتى الآن.
بالطبع، هناك من ينطلق في هذه المقابلة من نضالات المرأة ، حيث ترى صاحبات وأصحاب هذا الرأي أن هناك سرعة في إدانة فتيات التيك توك من حيث هن فتيات، وتبرئة المتحرش الدولي من حيث هو رجل.
وهناك كذلك تحليلات الطبقة: فقيرات وغني، وهذا غير مستبعد كذلك.
لكن الأهم والمسكوت عنه هو علاقة الطرفين بالنسق السائد؛ فحساسية العدد الكبير من المواطنين والتحرك السريع للسلطات ضد الفتيات سببه تهديدهن للمستقر والتهديد يأتي تحديدًا من النشر.
الاغتصاب والعري موجودان من زمن توربيني وقبل زمن توربيني، ولم يزعجا أحدًا. الإزعاج في الظهور العلني، هنا لم يعودا عُريًا بل تهديدًا للمستقر، من الدين والأخلاق والنظام. هذه العلنية خرق لاستراتيجيات الطاعة.
المتحرش المغتصب وضعه مختلف. هو يتغطى بالسرية ويتمنى أن يواصل نشاطه سرًا، وفي هذه الحالة فإن من يهدد المستقر هم الذين نشروا عنه ويطالبون بمحاكمته.
هذا ليس أول متحرش، والاصطفاف معه ليس الاصطفاف الأول مع متحرش، لقد تراصت الصفوف كالبنيان دفاعًا عن لاعب كرة من قبل، ولا أذكر عن من أيضًا. والمتحرش يستحق الدعم لأنه متناغم مع فكرة الجبر والاغتصاب في جوهرها. ومن الطبيعي والحال هكذا أن نرى تيار الثورة وحيدًا في قضايا كهذه يحاول فضح المتحرش، في مواجهة بنيان مرصوص يدافع عنه بدعوى الستر أو بدون منطق أصلا، جنوده من الخصمين اللدودين: المهاجرون إلى تركيا والأنصار الذين يطالبون الثوريين بالهجرة إلى أي مكان!
على أن هناك ملاحظة أساسية مثيرة للقلق، هي تصدر السوشيال ميديا، لوسائل معالجة الظاهرة، وهذا له خطورته الكبيرة في العصف بحق المتهم في الدفاع عن نفسه، وحقه في بقاء اسمه سريًا طالما لم يزل محل اتهام، لأن من يحصل على البراءة بعد ذلك لن يحصل على شيء، بعد أن تتلوث سمعته في فترة الاتهام.