قصة: رءوف مسعد
————
استيقظتُ من نومي نشطا على غير العادة. العادة أني أستيقظ منهكا كأني مشيت أميالا. استيقظ غاضبا ناقما.
لكن هذا الصباح استيقظتُ نشطا. مبتهجا.
هاتفت صديقي كمال الذي يقاربني في خريف العمر، وقلدت أغنية سعاد حسني؛ الجو بديع قفل .. قفل على كل المواضيع.
هو رد مندهشا: اتجننت؟ أو خرفت؟ أو الإثنين سوا ؟
التقينا في مقهانا المفضل. كل منا طلب مشروبه المفضل.
سألني قلقا حينما رآني أسرح مبتسما : مالك ؟
فقلت له إنني بالأمس التقيت بامرأة في حلمي ؛ وخيل لي أني أعرفها ، وأن بيننا علاقة ما، وتبادلنا القبلات .
– قبلات بالجمع ؟ كام قبلة ؟
– كثير ..ما حسبتش.
أعرف أنه سيغتاظ ، لأن الطبيعة الغامضة حرمته هكذا أحلام حسب اعترافاته.
فحسب اعترافاته يقول أن أحلامه ” مملة ” ، لعله لا يحب أن تكون أحلامه الليلية محور حديث فهو شخص “محافظ ” حتى في سلوكه معي. نحن نعرف بعض وظللنا أصدقاء، منذ أن تعرفنا على بعض من أكثر من أربعين عاما حينما كنا في نهاية عشريناتنا.
قال بقرف مصطنع: حتموت عشان تحكي. ماشي. احكي ..ومال بظهره إلى مسند الكرسي، وخلع نظارة القراءة ووضعها أمامه وأشعل سيجارة من علبتنا المشتركة. نتشارك في شراء علبة سجائر؛ ليس عن فقر، لكن الطبيب منع كلينا من التدخين، وزوجاتنا يراقبننا بعيون لا تنام. وجدنا أن الحل الأمثل أن نشتري سويا علبة سجائر ندخن منها بشراهة وما تبقى من السجائر، نهديه للجارسون .
لماذا نتشارك إذن في ثمن العلبة ؟ السبب أننا هو وأنا، نقوم بأفعال في معظم الأحيان لا تفسير لها ، حتى عند الواحد منا.
حكيت : كنت نائمًا لوحدي كعادتي في السنوات الأخيرة (ملحوظة : هو يعرف أنني استقليت بغرفة والزوجة بغرفة أخرى. ليس عندنا أولاد) ووجدت نفسي في مكان أحسست أني أعرفه لكن ليست معرفة محددة. ثمة لغط بشري، لأصوات بشرية لكني لم أر أصحابها.
فجأة ظهرت سيدة تصغرني كثيرًا في العمر..
قاطعني : تقريبًا عمرها كام سنة ؟
أجبته : يمكن بين الأربعين والخمسين.
– تعرفها؟
– خُيل لي أنني أعرفها لأننا وقفنا نتحادث.
– حول إيه ؟
– مش فاكر
تمدد أكثر في جلسته وبان الاشمئزاز على وجهه . أشار بيده آمرا ؛ أكمل، فأكملت ..
– حكيت كيف أننا أثناء الحديث وجدتني أقبلها وتبادلني القبلات
ضحك ساخرًا وقال : أجساد البغال وقبلات العصافير.
أكدت متعمدًا : أكثر من قبلة ..قبلات
فجأة ظهر الاهتمام على وجهه واختفى الاشمئزاز. تلفت حوله حذرًا وهمس ” وبعدين؟ “
أعرف ما يعني لكني أبطأت متعمدًا الوصول إلى ” بعدين ” لأن إغاظتي له ؛ جزء من متعي البريئة القليلة في عمر كهذا..
قلت : في الحقيقة حينما كنا نقبل بعضنا ، اختفت السيدة فجأة كما ظهرت .. بعدها بدقائق استيقظت من النوم في ساعات الفجر الأولى . عرفت ذلك حينما نظرت إلى المنبه على الطاولة بجوار الفراش .. دقاته تساعدني على النوم أحيانا.. قبل أن تختفي قلنا شيئا ما وأخذت أنا في الضحك ثم اختفت هي.
قلت له ما حدث بالدقة كيف ضحكتُ وكيف اختفت هي.
سأل:
– هي ما ضحكتش ؟
أجبت صادقًا:
ـ مش فاكر.
أحسست بالأسى ، فحتى في عالم الأحلام الافتراضي ، أجدني محرومًا من ” ما بعد ” القبلات. كثيرا ما استمتعت بـ «ما بعد» هذه أيام المراهقة ، وما تلاها.
بقينا أنا وهو على مقعدينا فترة صامتة. هذه أيضا عادة تعودناها في السنين الأخيرة ، قلة الحديث وكثرة الصمت.
كنت أخمن سؤاله المقبل وأحاول أن أجد إجابة له ..ولسؤاله. أعرف أن حالة كحالتي هذه تصيبه بالقلق والتوتر. والسبب أنه غير سعيد الآن – مثلي أيضا – أي في السنوات الأخيرة.
– أنا شايف إن حلمك غريب ..
سألته:
ـ ما هي الغرابة فيه؟
أجاب بعد أن فكر هنيهة أنه لا يعرف سبب الغرابة بل اعترف أن ما قاله عن الغرابة خرج من فمه بدون تفكير.
يحدث هذا كثيرًا لكلينا.
من بعيد لمحت سيدة مقبلة. وضعت نظارة المشي على عيني ، وتبينت أنها زوجته. أحسست بقلق غريب. هو لم يقل أنها قادمة. همست له: زوجتك. فتلفت مندهشا، ليجدها مقتربة منا. تسير بثقة وعلى وجهها المليح ابتسامة صغيرة.
وقفت أسلم عليها. كانت تعلق على كتفها حقيبة نسائية أنيقة من جلد النمر .
ارتعبت.
فسيدة الحلم كانت أيضا تعلق على كتفها حقيبة نسائية من جلد النمر. أتذكر هذا جيدا لأنني سألتها إذا كانت لا تعرف أن في الغرب حركة قوية معادية لاستخدام جلود الحيوانات غير المستأنسة ، تحسباً لانقراضها .
أجابت؛ بأنها تعرف ذلك لكنها أيضا تستمع بالصيد على كافة أنواعه.
كان هذا لحظة اختفائها النهائي.
صحت .. خرجت صيحتي مختنقة .لأستيقظ مرة أخرى وأنا أتصبب عرقا .