وليد خازندار
13
نارٌ في ليلِهم تكبو ثم ترتدُّ.
سافرةٌ وتأخذُ العمرَ جانباً
مؤنسةٌ جارحةٌ، نجوةً أو هلاك.
من يراها يهتدي
يدركُ أبوابَ حيرتِهِ كُلَّها
يتوهُ من أرادَ حسبُ أن يصل.
مجازاتٌ مُرْسَلةٌ
من عبورِ النهرِ، في ومضةٍ
إلى مشهدِ البحرِ والأشرعة.
توقَّفوا من آخِرِ هجرةٍ عن قراءةِ الأعمدة.
في كلامِهم صفةُ المنازلِ التي هَوَتْ
والتي تبدأُ، والتي تتساندُ
عطشُ الزهورِ تشربُ من ألوانِها.
جهةٌ مكتوبةٌ عليهم
قريبةٌ حين تتسعُ الأغاني
وشمُ عزلةٍ في أكُفِّهم
على خَطِّ الحياة.
كثيرون منهم غيَّروا أسماءَهم.
ليس من كثرةِ الرسائلِ أنهم ظلّوا على أملٍ
ما أورقوا مَرَّةً إلى عناوينِهم
إلّا بغربةِ التلفُّتِ، حين يناديهم أحد.
14
طيورٌ تلامسُ الموجَ وتعلو. يدورُ الضوءُ الذي من الحرّاقاتِ يكشفُ وجهَ المدينةِ، طريقَ البحرِ، خيامَ الشاطئ. يكشفُ الميناءَ القديمَ ولا يرى المراكبَ المحجوبةَ، لا يرى الحرّاسَ حولكِ. يكشفُ الصيادينَ ولا يقطعون الغِناء.
– “ضوءٌ من البحرِ، مولاتي، يبدو ويختفي. طيورٌ رصاصيَّةٌ كبيرةٌ تقتربُ من غِناءِ الصيّادين ومن أصواتِ المعاول.”
– “أرى دائماً ضوءاً يعلو من العتمِ ويخبو. أراهُ من شرفاتِ القصرِ ومن أبراجِ السور. أرى أجنحةً كبيرةً لا تغادرُ سماءَنا، حرّاقاتٍ لا تتركُ بحرَنا. أراها حتّى في أحلامي، من دارٍ صغيرةٍ على الموجِ، إلى جوارِ حبيبي.
“من بيننا يدلُّ الجنودَ علينا كي ترتخي أيدينا عن المجاذيفِ عن المعاول. أرسِلوا إلى الصيّادين، أرسِلوا إلى البنّائين أن يكملوا أحلامَهم.
“الجنودُ يقتربون. عيونٌ تكبرُ حتى لا أرى غيرَها. أصحو. شِمالي على صدرِهِ، يمينُهُ علىَّ، محميَّةً بين البيوتِ التي لا توشكُ تنبني.”
15
لا يراكِ أحدٌ إلّا وتربحينهُ. ربَّما لأنكِ تأتين من حلمٍ إليهم. يُحِبّون رِقَّةَ العابرِ في صوتكِ، كياسةَ إبن السبيل. تكلِّمينهم فتنفتحُ قلوبُهم عليكِ. تصيرين مكشوفةً أكثر.
أهلُ بحرٍ، يعرفون الدرَّةَ من أوَّلِ نظرةٍ. مرورُ الأصابعِ الرشيقةِ على الحريرِ يخطفُهم في سوقِ الأقمشة. ينظرون في دكاكينِ التوابلِ إلى اليدينِ تفركانِ الزعترَ البريَّ لأجلِ العشاء. ينحرفُ الباعةُ في وصفِ فواكهِهم ويسرفون. يقولون خَلّي علينا.
ينظرون إليكِ بعينِ الرِضا. يُحِبّون نفضةَ العصفورِ رأسَهُ حين ترُدّين عن عينيكِ شعرَكِ. يخطبونكِ حين يعرفون أنكِ من هُنا، من دارٍ صغيرةٍ على البحر.
أصحابُهُ يسألونهُ عنكِ بين الشجرِ الذي يحرسُ المدينة. يقولون أين العروس. ربمَّا لأنكِ مثلُهم تكملين في الصحوِ أحلامَكِ. تثقين بالفجرِ، وهو رصاصيٌّ إن كَذَب. لا شمسَ من ورائِهِ.
لا يرونكِ إلّا ويعزمونكِ على شايٍ وكعكٍ، تقبلين في سُرْعةِ الكريم. هل يرون في عينيكِ قلبَكِ مكشوفاً مُهَدَّداً مثلَ بيوتِهم. لا يكفّون عن بنائِها.
““`وليد خازندار ـ مقاطع من الديوان القصيدة «جهات هذه المدينة»