في علاقة عشاق السينما بالسينما حالة من الوله، بينما لا تتجاوز العلاقة مع المسرح دفء الزواج السعيد. يمكن أن نتحدث عن رواد لا مجانين مسرح، بينما لا يمكن أن نحصي مجانين السينما حول العالم، حتى بين فئة صناع الخيال من الكتاب والشعراء، الذين يفترض أنهم يعرفون سر الصنعة!
ماذا في هذيان الحائط ـ الضلال اللذيذ كما سماه جان بول سارتر ـ يجعلنا نتوله به إلى هذا الحد؟!
أظن أن السر يكمن في أن استعارة السينما للواقع أكثر نقصاناً من استعارة المسرح؛ فهي تشبه الحياة بأقل مما يشبهها المسرح.
المسافة الكبيرة بين الحياة والظلال المتحركة تمنح مشاهد السينما القدرة على التقمص، والحرية في اختيار الأقدار. الموت في السينما افتراضي؛ ليس كالموت على المسرح. والحب في السينما ليس كالحب في المسرح.
في الحرب بوسعنا أن نحزن أقل لأن ظلاً مات أمامنا على الشاشة، وليس شخصاً حقيقياً يسقط ويسحب إلى ظلام الكواليس، وفي الحب بوسعنا أن نتوقع إمكانية امتلاك المحبوبة؛ لأن حبيبها مجرد ظل.
الأبطال من لحم ودم على خشبة المسرح يرتبطون بمصائرهم، ويشغلون مساحاتهم، لا تنازلون عنها؛ على عكس الظلال المتحركة الهشة، سهلة الإزاحة.
على أيام مراهقتي، كان من السهل أن نزيح عبدالحليم حافظ بمنتهى السهولة من سرير نادية لطفي ونحل محله، لكننا لا نجرؤ على أكثر من التلصص على مفاتن شويكار بسبب واقعية فؤاد المهندس على خشبة المسرح، على الرغم من الفارق بين تدله نادية لطفي في حليم، وبين البرانية التي تتعامل بها شويكار على المسرح مع فؤاد المهندس، وتجعل منه رجلاً مثالياً لكي يخان.