وصف الوردة

“ليه يا بنفسج” واحد من الأدوار المصرية التراثية الجميلة، تتابع على غنائه عشرات من المطربين والمطربات على مدى قرن من الزمان، وكان زاداً للحزانى في ملايين السهرات، مع التصعيد الكحولي أو الغرامي، لا تنتهي السهرة من دون أن يصدح أحدهم بأي صوت كان: “ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين”.

هل هو لعب بالكلمات، أم أن بوسع  البنفسج  أن ينضح ببهجة ليست عنده؟! وإن استطاع، هل السر في اللون، أم هي غواية العمر القصير؟

من الوارد أن يجلب البنفسج، أو أي زهر و لون،  الفرح، أو الحزن، لأن  “العلامة” أو المثير الخارجي لا يعمل وحده، بل يمر عبر الشعور مستدعياً الفرح أو الحزن.

لابد أن أثر البنفسج يمر عبر قصر عمره، لا لونه.

العمر القصير، يثير عند المستعد للفرح الرغبة في اغتنام وقت المتعة المحدود، وعند الحزين الرغبة في الزهد. وليس اللون ما يفعل ذلك، فنحن لا نستطيع أن نتلقى البهجة من زهرة بنفسج صناعية، ولا يمكن أن نشعر بحزنها.

 العمر الطويل أو القدرة على الحياة في الموت، هو  ما  يجعلنا نكره الورد البلاستيك مهما كان متقن الصنع، فهو لا يشبهنا، ويستفز بخلوده المفترض هشاشة وجودنا.

عمر البنفسج، لا لونه، هو الذي أهدانا عمر الخيام ورابعة العدوية.

***

في غرفة المريض، استحيت من ورداتي الحمراء بأطراف بتلاتها المسودة، عندما دخل زائر آخر بسيجار في غمده يشاغل به روحه المتلهفة للتدخين وخلفه صبي يحمل سلة من الورود الهولندية صاخبة الألوان. وضعها الفتى بالقرب من المريض ومضى.

بعد انصراف الزائر العجول مد الصديق المريض يده وأنشب ظفري السبابة والإبهام في الورقة الخضراء، ليتأكد من أنها طبيعية، ثم استدار قانطاً بمخلبيه المخضرين، لينظر بعطف نحو ورداتي البلدية التي تبدو “سكند هاند” مما جعلني أشعر بالارتياح.

لا أعرف كيف يحس هولندي بورد بلاده، لكن صديقي المريض لم يجد فيها تعاطف الوردة البلدية.

 الورود المستوردة من هولندا التي اعتاد الموسرون إهداءها، زاهية وطويلة العمر، ويمكن احتمالها بالكاد في صالون البيت، لكن من المسيء إهدائها لمريض كي تتحدى بتألقها ذبوله.