“شرم جيت” هل تكون بداية لعقد اجتماعي جديد؟

الصورة نشرتها "الإندبندنت" البريطانية نقلاً عن حساب مراسل البي بي سي في تويتر، باعتبارها لحظة تلقي موظف بمطار شرم الشيخ رشوة من الركاب.
الصورة نشرتها “الإندبندنت” البريطانية نقلاً عن حساب مراسل البي بي سي في تويتر، باعتبارها لحظة تلقي موظف بمطار شرم الشيخ رشوة من الركاب.

بعض الفشل يكون أفضل وأنفع من النجاح إذا تمت قراءته بدقة. حادث تحطم الطائرة الروسية في سيناء وتداعياته، من هذا النوع الذي يمكن استثماره جيدًا، خصوصًا وأننا أصبحنا بصدد مشهد دولي يكاد يعلن مصر “دولة فاشلة”.

تتوالى إعلانات الدول وشركات الطيران عن وقف رحلاتها إلى مصر كلها وليس إلى شرم الشيخ فحسب. ورغم أن السياحة تمثل 20% من دخل مصر من العملة الصعبة، وتوفر 11% من فرص العمل، إلا أن الضرر لن يقع على القطاع السياحي وحده؛ فمن غير المعقول أن يقاطعنا السائح الذي لا يحمل سوى روحه وبطاقة ائتمان محدودة السقف ويأتينا المستثمر بروحه وملياراته!

الحادث بحد ذاته ليس سوى حادث آخر من حوادث الطائرات. وهذه ضريبة تتقبلها البشرية نظير الانتقال السريع. وقع مثل هذا الحادث مرارًا وسيقع في المستقبل.سقطت قبله طائرة مصرية على الشواطئ الأمريكية عام 1999، وسقطت طائرة ماليزية في شمال أوكرانيا عام  2014، وأتبعه سقوط طائرة روسية أخرى في جوبا عاصمة جنوب السودان.

لم نقاطع أمريكا ولم يقاطعها أحد على سقوط طائرتنا، رغم الدلائل على إسقاطها عمدًا. وفي حادث شمال أوكرانيا لم ينظر العالم في عين بوتين رغم التكهنات التي تضع دماء الضحايا في رقبة روسيا، وتم اعتبار طائرة جنوب السودان مجرد حادث مروري عابر!

وانتفضت الكرة الأرضية ضد مصر بسبب حادث شرم الشيخ، بعد الموقف البريطاني الصارم الذي استبق التحقيقات، وخرج متزامنًا مع وجود الرئيس في لندن، كأن دعوته كانت بالأساس فخًا، وجزءًا من تهيئة المسرح لتحويل كارثة شرم الشيخ إلى فضيحة دولية.

التوقيت لا يمت بصلة إلى السلوك الدبلوماسي. وإذا كانت بريطانيا قد تحققت من سقوط الطائرة بعمل إرهابي، كان بوسعها أن تتخذ إجراءات تأمين عودة رعاياها بهدوء بالتعاون مع السلطات المصرية والانتظار بالإعلان إلى ما بعد مغادرة الضيف. وهنا يجب طرح السؤال: هل كانت المعلومات لديها قبل الحادث أم بعده؟

إذا كانت المعلومات توفرت قبل الحادث فبريطانيا شريك في جريمة إسقاط الطائرة، وإذا كانت عرفتها بعد وقوعها، فعدم تقديم معلوماتها لجهات التحقيق المصرية يجعلها دولة غير صديقة، إن لم يكن عدوة.

ودون أن نبريء أنفسنا من الخطأ؛ فالإجراء البريطاني مشحون بالعداء، ويتخذ من الحادث ذريعة لكسر تحالف مصر (الناشز في عُرف السعودية) مع روسيا من جهة، وإعادة فرض الإخوان إلى الساحة السياسية من جهة ثانية.

وقبل أن يبتسم الساخرون من فكرة “المؤامرة” فإنني لا أعتبر التحالف بين مصر وروسيا بطولة، بل أفكر من زاوية منطقية تمامًا؛ حيث يمكن لصانع السياسة المصري أن يضع نفسه مع روسيا وحلفائها وأن يعرف توابع هذا الخيار، ويمكنه أن يكون مع الغرب وحلفائه الإقليميين وهذا له توابعه. أما أن يكون مع السعودية وحلفها في اليمن وضد ذات الحلف في سورية، فهذا اهتزاز وانعدام وزن خطر.

والآن، نحن في لحظة أعلن العالم فيها عدم ثقته في إجراءاتنا الأمنية، ونشرت الصحف صورًا تقول إنها لموظف بالمطار يتلقى رشوة، ولم ينصفنا بوتين، وأعلن هو الآخر تعليق رحلات روسيا.

ليس مطلوبًا من أحد التضحية بمواطنيه من أجل عيون مصر أو عيون رئيسها.  والاتهامات لأمننا ليست جديدة، وشكل مطاراتنا نعرفه أكثر من أعدائنا؛ حيث لا يوجد مطار بمثل تسيب مطاراتنا.

لا تهبط طائرة إلى المطار إلا ويكون نصف ركابها موصى عليهم، يزعق بأسمائهم جنود من المفترض أنهم يقفون للتأمين؟ هذا ليس سرًا، ومد الأيدي للتسول ليس سرًا. وإصلاح المطارات وحدها ليس منطقيًا، وحتى إن أمكن، فلن يعود السائح إلى بلد مطاره منضبط، بينما تعمه الفوضى من الداخل ويرتع التسيب في المطعم والشارع وحول الأثر الذي جاء لزيارته .

لابديل عن إصلاح مصر كلها بإجراءات جديدة تمامًا، تكون بمثابة عقد اجتماعي جديد. وهذا هو الطريق الوحيد الذي يجنب البلاد ويلات الفشل.

وقد كان هذا العقد ضروريًا منذ إزاحة الإخوان، لكن ما حدث هو استمرار الالتفاف على المطالب العادلة لثورة يناير منذ تنحي مبارك في 11 فبراير 2011حتى اليوم بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي بوسعها أن تقوض شرعية النُظم السياسية في قارة بأكملها!

وقد كان استمرار هذا الالتفاف ممكنًا ـ دون أن يحقق استقرارًا كاملاً ـ عندما كانت الأطراف الخليجية تدفع الفاتورة: فاتورة عدم محاكمة مبارك، فاتورة استمرار الرأسمالية القذرة، وفاتورة حياة برلمانية صورية. لكن لا أحد من جيراننا الخائفين من الديمقراطية على استعداد لدفع الفاتورة لدولة تريد الدوران في فلك مجرة أخرى.

 

العقد الجديد هو المخرج الوحيد، ويجب أن يقوم على مطالب يناير (عيش، حرية، عدالة اجتماعية).

وهذايتطلب:

  • الاعتراف بالخطأ في الانتخابات الأخيرة، وإفساح المجال للقوى السياسية المتنوعة للتعبير عن نفسها.
  • الإفراج عن شباب الثورة المعتقلين.
  • تمويل خزينة الدولة من الأموال المنهوبة، وإعادة محاسبة السياسيين ورجال الأعمال على ما حصلوا عليه بغير وجه حق. وهذا يغطي أضعاف ما تدفعه الأطراف الخليجية، وفي الوقت نفسه سيخلص مصر تلقائيًا من الإعلام الدنيء الذي يشكو منه السيسي.
  • إصلاح إداري يشمل الشرطة، يقوم على الثواب والعقاب، وليس الدفع بالجيش بديلاً للإدارات المدنية الفاشلة.
  • ترشيد الإنفاق الحكومي، وأول بنود الترشيد يجب أن تكون في وزارة الخارجية، فنحن لسنا بحاجة إلى هذا العدد الرهيب من السفارات في كل دول العالم.

بغير هذه الإجراءات، سيبقى الغد بكف الغيب.