ماذا عن الدراما التي ستعقب هذا الفاصل الكوميدي؟!

عدد قليل وكثير من الجنون
عدد قليل وكثير من الجنون

كل الثورات تتعثر؛ ببساطة، لأنها لا تقوم ضد الفراغ، بل ضد مصالح طبقات وفئات لديها أدواتها القوية. ويمكن قياس حركة التغيير الثوري على الثورة الأشهر؛ الثورة الفرنسية، إذ يحدث الانفجار الشعبي، ويعقبه التفاف القوى القديمة وعودة سيطرتها على النظام لتأتي جولة ثانية فثالثة.

ولن يغير التاريخ من طبائعه، لأنه غير معني بالفرادة المصرية التي يؤمن بها الكثير من المصريين بيقين مؤسف، سيجري على مصر ما جرى على غيرها، وتبقى المسائل الفرعية والتفصيلات التي تحدد توقيتات التغييرات وأسبابها وآلياتها، وهذه كلها ترتبط بطبيعة القوى المتصادمة وطريقتها في فهم قوتها وقوة الخصم وطريقتها في التعبير عن وجودها. قوى التغيير لم تزل تعاني من مأزق تشتت الجهود، تعاني من الخضة الأمنية التي ظهرت في الممارسات الأمنية ضد الخصوم، بينما اختارت القوى القديمة التي لم تغادر مواقعها في مفاصل الدولة وفي مفاصل السوق السخرية أسلوبًا لإعادة السيطرة، أو إعادة التجلي والإعلان عن التمكن، لأن السيطرة لم تتغير والمكانة لم تهتز. كان بوسع القديم أن يعلن عن وجوده بطريقة أقل استهتارًا، وكان من شأن هذا السلوك المتحلي ببعض التواضع أن يديم سيطرته لوقت أطول، لكنه تصرف كما لو كان يحكم الفراغ، مثلما تصور الثوار في لحظة من لحظات حسن النية أنهم ثاروا ضد الفراغ! وقد تجلى النزوع الفكاهي بشكله الأبرز في الإجراءات السياسية التي تم اتخاذها للوصول إلى برلمان تسخر تشكيلته من كل ما تمثله البرلمانات من معان. نجح مرتضى منصور وولده وتوفيق عكاشة ومصطفى بكري في الانتخابات ما في ذلك شك، لكن السخرية كانت سابقة على عملية الاقتراع، حيث جرى استبعاد القوى الحقيقية بإجراءات إدارية وقضائية، لتبقى المنافسة بين الكوميدي نجم الشباك والكوميدي السنْييد(بلغة المسرح) تواصلت الكوميديا الساخرة من كل معنى من جلسة الإجراءات إلى جلسة الحذاء، إلى وقفة من يُسمون “أنصار عكاشة” أمام البرلمان وهتافاتهم التي اكتشفنا منها، أن في هذا الوطن مخلوقات أكثر غرابة من عكاشة نفسه، مقاطع الفيديو لمظاهرتهم أمام البرلمان الساخر تكشف عن حالة جنون محض. هؤلاء هم الذين حملوا عكاشة إلى مقعد البرلمان وشاركوا في رسم الصورة العامة له، هم أنفسهم الذين يطالبون بحله ويسمونه بعدم الشرعية، الهتاف:”يا عكاشة يا بطل ياللي حررت الوطن” يسخر من كل معاني البطولة والتحرير والوطن. تحرير الوطن في مصر لا يحيل إلا إلى طرد الإنجليز في يوليو 1952 والعبور في 1973، لا عبور في واقعة دعوة عكاشة للسفير الصهيوني، السفير هو الذي عبر ووجد مكانا في الدلتا يستقبله، أرحب من مقر السفارة المحددة إقامته فيها بقرار شعبي لا يتغير. لكن التحرير الذي يقصده الأنصار العجائبيون للنائب الغرائبي هو تحرير مصر من حكم مرسي. وبفرض أنه من فعل هذا أو ساهم فيه، وليس بوسع أحد أن يجادل أنصار عكاشة في مبالغاتهم التي تبدو غير مقصودة، فمن الواضح أنهم يعيدون تدوير هتافات من مناسبات مختلفة، إلى درجة أن بعض الهتافات تحمل مطلب “غلق سفارة وطرد سفير”! هذا المشهد يقدم العبرة التي لا ولن ينتبه إليها من هندسوا المشهد بحيث تختفي صورة مصر العاقلة لصالح صورة مصر الهاذية. لا يمكن لدولة أن تتحول إلى سيرك، ولا أحد يمكن أن يتنبأ بنوع الدراما التي ستعقب الفاصل الكوميدي الحالي. http://youtu.be/UCFPkEuXp4U http://youtu.be/nB7iph