حط العصفور العجوز ليستريح على حافة أصيص بالشرفة. كان إصيص نعنعاع غمر فوحه العطري العصفورَ . نقر العصفور ورقة وازدردها متلذذًا برطوبتها المنعشة ومرارتها الخفيفة.
آسفًا على كل عناء حياته، فكَّر: هل كان لابد أن أعيش كل هذا العمر كي أدرك أن الحصول على المتعة لا يتطلب الذهاب بعيدًا؟!
لم يُطلِع أحدًا على بستانه السري، ومع كل فجر يستيقظ سرب العصافير على الشجرة المقابلة للشرفة، ويحلق بعيدًا، بينما يتظاهر العجوز بالنوم، وبعد أن يتأكد أنه صار وحيدًا يطير الأمتار القليلة ويحط على الإصيص. يزقزق مبتهجًا، ويبدأ في نقر عود النعناع الذي أخذ يستشعر الخطر يومًا بعد يوم، ومثل مدينة باسلة استنفر قواه للدفاع عن نفسه في معركة سوف تطول.
يسهر النعناع طوال الليل، يدفع ببراعم جديدة تصطف عند الفجر مكان الأخرى التي التهمها العصفور في اليوم السابق، بينما يضرب بتحصينات جذوره في عمق التربة.
ليلة وراء ليلة وصباحًا بعد صباح، استمرت المعركة حتى انهارت دفاعات النعناع، واستسلم لليباس، بينما بقي الجذر تحت التربة يائسًا حزينًا، يفكر بكل البراعم التي دفع بها إلى قتال لم تكن مؤهلة له، وقد منعه صوت أحزانه من الاستماع إلى همس شجيرة الجهنمية في الإصيص المجاور: لم تستعد بالأشواك من البداية أيها المسكين.