أحمد زكي .. 12 عامًا على تحرر الأسطورة

أيام السادات

اثنتا عشرة سنة مرت على وفاته، وهذه مدة كافية لاختبارات البقاء؛ وقد صرنا متأكدين أن أسطورة أحمد زكي باقية، وستظل تكبر مع مر السنين.

قبل وفاته، كان الكثيرون يوقنون بأنه واحد من أهم من أنجبت الشاشة المصرية. الآن يمكن أن نقول باطمئنان إنه الممثل الأهم في تاريخ السينما المصرية، وواحد من القامات الكبرى المعدودة في تاريخ التمثيل، يقارن بأنطوني كوين مثلاً.

 ولن نعرف بسهولة سر هذا الألق؛ فالموهبة الكاملة مثل الجريمة الكاملة، تمضي بأسرارها. لكن بوسعنا أن نفكر في السر، دون أن نضمن الوصول إلى حل لغز فتى الشاشة الأسمر.

ربما بوسعنا أن نلحظ قدرة أحمد زكي على إخفاء تمكنه من الصنعة، ذلك التخفي الذي يخفق فيه ممثل كبير مثل آل باتشينو. ربما من الأوفق أن نتحدث عن «موهبة إخفاء الصنعة» لا عن «قدرة» حيث لا يتعمد أحمد زكي الظهور بمظهر العفوية، بل هي تظهر هكذا رغمًا عنه؛ تظهر لأنه عفوي بالفعل.

أحد روافد عفوية أحمد زكي تنبع من ولعه بما يفعل، إلى حد يجعله لا تنظر خلفه ليرى ما حققه، بل أمامه محاولاً تخمين المسافة التي تفصله عن الكمال. وبينما أخذ يتقدم على ذلك الدرب كان إحساسه بطول المسافة يتضاعف.يمكننا أن نقرأ ذلك في بريق عينيه.

لم يمتلك أحمد زكي عينين جميلتين طافحتين بالحزن والحرمان فحسب، بل بوسعنا أن نقرأ فيهما قلق وخوف الفنان.

 

 

عنا أحمد زكي تختلفان عن عيون نجوم مصريين حققوا الشهرة الطاغية مثل عادل إمام أو محمد رمضان. عيناه لا تنظران إلى الداخل. لا يتخذ أحمد زكي من الجمهور المرئي أمامه في المسرح أو المتخيل من جمهور الشاشة مرآة تعكس عظمته المطمئن إليها، بل ينظر إلى المشاهد نظرة اليتيم الذي يسعى إلى الحصول على رضى من حوله واعترافهم بأنه طفل مهذب يستحق العطف.

نظرته القلقة الحزينة والطيبة، تكاد تهتف «أنا خائف» وهذا هو السر الذي يجعله محبوبًا في كل أدواره. البواب حتى عندما يتوحش، الضابط في جبروته وانكساره، حتى عندما أصبح ناصر والسادات معًا، أحبه الجميع، على الرغم من أن حب ناصر والسادات لا يجتمعان في قلب واحد!

بالقلق المبدع وهوس الإتقان الذي يسكنه تمكن  أحمد زكي من القلوب، وبالموت تحررت أسطورته المرشحة للتعاظم لا النسيان.