حكاية توتولا العجيبة

للكاتب التشادي:

محمد جدي حسن جراري

2

عندما نكون بعيدين عن أوطاننا وبجيوب فارغة فإن هناك كلمات لن تكون في قاموسنا كالعار، والدناءة، والذل والكبرياء.

لوحة: tracey rose

صباح الإثنين وصل “توتولا” إلى إحدى حارات المسلمين “أو الشماليين” برفقة صديقيه اللذين يتقاسمان معه غرفة الايجار ترك فراشه وحقيبته هناك، وأتى فارغ اليدين، مثقوب الجيب. لحسن حظه وجد أن خادم البيت الذي يقابل بيت أحد صديقيه وهو “انقارجي” قد سافر إلى الجنوب ليحتفل بميلاد المسيح هناك. أتى به “انقارجي” وقدمه على أنه أخوه ويريد عملاً.

اتفقا على أن يعمل ويقوم بكل شيء في البيت، حراسة، غسل ملابس  جميع  في البيت، الذهاب إلى السوق، غسل السيارات، سقاية الحديقة، كل شيء مقابل : أربعة آلآف ريال. 

في تلك السنوات كان قانون العمل قد اصدر مادة بموجبه يحصل كل عامل على أجر حده الأدنى 12 ألف فرنك، ولكن تلك المادة، بل قانون العمل لم يدخل “الخدم” في مضماره، وتركهم للاستغلال.

رضي “توتولا” وبدأ يعمل منذ اليوم الأول. لحسن حظه لم يكن في ذلك القصر إلا صاحب القصر، وهو سياسي مرموق من الشماليين الذين درسوا في فرنسا وزوجته المغربية الأصل التي التقى بها في الجامعة وتزوجا ولا أحد غيرهما.

3

لكي تنجح في عملك يجب أن تحسن علاقتك مع رب العمل.

في يومه الأول كان متوتراً لأنها المرة الأولى التي يرى فيها قصراً أبيض وفيه امرأة بيضاء.

يتذكر المرة الأولى التي رأى فيها إنساناً أبيض، يومها كان في السادسة من عمره، أرسلته أمه إلى القرية المجاورة كي يبحث عن خنازيرهم هناك، وبينما كان يمشي في الغابة التي تفصل بين القريتين، ويدندن بأغاني وطبولٍ إفريقية حفظها إذا فجأةً وقعت عيناه على رجل أبيض جميل اللون، ولكن عيناه خضراء وقبيحة عند “توتولا” فصرخ واطلق ساقيه للريح وصل إلى أمه مرهقاً وبه إصابات طفيفة، كان يسقط ويقوم أثناء الهروب طلب من أمه أن تدثره وتعلق له التمائم، وسيخبرها غداً عما رأى، أخبر أمه أنه رأى “الرب” أو “يسوع” هو متأكد من أن الذي رآه هو أحدهما، لأن قس القرية أخبرهم عن مثل هذه الأوصاف رجلاً في الثلاثين، أبيض، وسيماً، طيباً، يساعد الفقراء، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحي الموتى.

في يومه الأول أتته السيدة البيضاء بكل ملابسها وأمرته أن يغسلها ويكويها ، وأمرته أن يفتح  الباب من “بوري” سيارة زوجته، وأعلمته أن ” الباترون ” سيعود عند الثالثة ظهراً ولّته ظهرها ثم استدارت وسألته ما اسمك؟ 

  • “توتولا أبونجا”

  • هذا اسم طويل وصعب، لماذا لا أناديك بالعبد ما دمت عبداً لم يفهم “توتولا” كلماتها فهو يتكلم العربية الدارجة بصعوبة وهذه السيدة تتكلم بلسان عربي مبين.!

ثم أمرته أن ينظر إليها ففعل فقالت ” اسمك العبد  “

فأومأ برأسه موافقاً وردد اسمي ” العبد ” 

كان ” توتولا ” حينها لا يدري ماذا تعني هذه الكلمة، رغم صعوبة نطقها على لسانه إلا أنه رضي بأن يكون هذا اسمه، فنحن لا نلفظ أسماءنا إلا فيما نذر.

أعجبه نطق حرف ” العين “ في حلق السيدة :

بعد أن قضى ساعتين يغسل الملابس انتهى أخيراً بعد أن ابيضت يداه وتشنجت عروقه  قضى ساعتين أخريين يكوي الملابس.

ما أن انتهى من الملابس، سمع ” أزيز ” سيارة فأسرع وفتح الباب.

4

في هذا العالم المكتظ  بالأشرار هناك طيبون في كل مكان.

من كان في السيارة، هو الرجل الذي سيكون رب عمله سأل ” توتولا ” 

  • من أنت؟ 

  • أنا الخادم الجديد 

  • مرحباً بك، ولكن لماذا غسلت كل هذه الملابس في يومك الأول كان الاجدر أن تبدأ غداً وتغسلها بالأقساط.

  • السيدة أمرتني أن أفعل 

  • آه ! ازدهار : وحبها للسلطة، طيب ما اسمك؟

  • اسمي ” توتولا ” ولكن السيدة منحتي ” العبد ” كاسم 

  • ماذا؟ هذا لا يجوز، سنناديك كما سماك أهلك. 

عندما دخل السيد إلى بيته أحس ” توتولا ” بالراحة وابتسم وعلق : يا له من رجل طيب، ليسوا جميعهم أشراراً كما يحسبهم ” لوجي “.

مشكلة السيد ” عثمان كجارامي ” أنه يخاف من زوجته لا الخوف بمعناه الحقيقي، ولكنه فقدان هذه المرأة الجميلة، وما يخشاه أكثر هو أن لا يجد امرأة أخرى جميلة وبيضاء ترضى الزواج من رجلٍ لا ينجب ! 

ازدهار ما كانت طيبة إلى درجة أن تقبل الزواج من رجل لا ينجب، بل مشكلة ” عثمان ” أنه لا ينجب فقط ولكنه قادر على ممارسة الحب، وهذا ما كانت تحلم به ” ازدهار ” منذ أيام مراهقتها، أن تتزوج برجل شبه زنجي له الغريزة الزنجية إلى جانب الملامح العربية التي اكسبته سمرة تميل إلى البياض ووسامة نسبية، ولقد توافقت أحلامها مع السيد ” عثمان ” فتزوجت منه، وغادرت فرنسا لتأتي برفقته وتعيش في إفريقيا، بل في واحدة من أفقر دولها.

اتفقا في الصالون على أن تناديه كما تشاء، ويناديه كما يشاء، فرضي بالصمت.

قضى ” توتولا ” أسبوعاً ممتعاً في القصر رغم أن السيدة ” ازدهار ” تشتمه أحيانا، ولكنه لم ينس ما حصل بالأمس، فعندما طلبت منه أن ينظف مرحاضها ولاحظت أن في سرواله القديم البالي فتحة تظهر منه شيئه، اقتربت منه وسألته ما هذا؟ ولماذا هو كبير بهذا الحجم؟ 

لحظتها لاذ بالصمت، أما هي فاندهشت وتقززت في آن واحد.

ولم ينس مرافقه السيد ” عثمان ” بسيارته إلى أحد المطاعم حيث اشترى له مشروباً له طعم غريب.

في نهاية الأسبوع، سلمه سيده سعر النقل الذي سيعطيه للتاكسي وعلاوة أخرى كي يستمتع بالإجازة.

وصل إلى البيت، إلى الغرفة التي استأجروها برفقة أصدقائه الجدد، وجد الجميع سعداء مثله عدا واحداً منهم كان حزيناً، إنه ” لوجي ” سأله مقدماً له شراباً: 

لماذا أنت حزين؟ 

  • الكفرة، لعنهم الله، الكفرة  ظلموني……. الكفرة.

  • أوقف هذه الشتائم وأخبرني ماذا حصل؟ 

  • لقد ظلموني…آه  لو كان الحكم لجنوبي لقتلناهم جميعاً واحرقناهم وأكلنا لحومهم النتنه كما فعل إخواننا المسيحيون في إفريقيا الوسطى.

  • توقف عن هذا الهراء، هم أيضا مثلنا بشر وفيهم الأشرار والطيبون، هم طيبون ولا يظلمون أحداً.

  • ضحك  ساخراً، لا يظلمون أحداً.!! لقد نادوني وأنا في طريقي إلى الحانة وقالوا لي امسح هذه الأحذية، وعندما بدأت بالأحذية الثلاثة تحدثوا بلغتهم وقام أحدهم وجلب مجموعة من الاحذية من داخل البيت، وعلق وهو يرميها أمامي ” أيها الزنجي هذا المساء ستشرب كما تريد وستزني بعدد من الزنجيات ” 

  • ماذا حصل؟

  • أيها الغبي لقد ظلموني، قضيت ساعة كاملة وأنا أمسح حتى تعبت يداي وعندما أخبرتهم بأني انتهيت من عملي، أمروني أن أغرب عن وجههم وعندما طالبتهم بالمال، اشهروا في وجهي سلاحاً وقالوا لي أهرب وضربوني بمؤخرة البندقية، فجريت لو لم أجري سيطلقون علي النار، سيقتلني هؤلاء الكفرة!

ـــــ ـــ ــ 

مقاطع من رواية غير منشورة