غيمة بيضاء تجلب النعاس

جربي شوربة البيض. لم أتصور أن هذا الابتكار «الفنتاستيك» لم يمر بك. افرمي بصلتين واقليهما إلى الحد الذي تفضلينه. أمي تطارد عطر البصل إلى ماقبل الاحتراق، أما أنا فأُفضِّل أن يذبل فحسب. وبالنظر لوسطيتك يمكنك أن تصلي إلى المرحلة الذهبية، ويكون كوب الماء جاهزًا بجوارك، بعد أن تطشي التقلية، اقطعي قرن فلفل حار، أو شقيه فحسب وألق به في الكسرولة، اختاري حسب مزاجك الآن بين الكمون والفلفل الأسود، مع القليل من الملح. لا تترددي في إلقاء شريحة زنجبيل طازجة على أي مزيج كلما وجدتيها بالقرب من يدك. 

بدأت الشوربة تغلي؟ اكسري بيضتين أو ثلاث، ستأخذ شكل الغيوم البيضاء مثل سحاب الربيع، بينما تخفي كل منها صفارها بداخلها، ابق عليها حتى يتلون بياضها بصفرة الشوربة الخفيفة نحو دقيقتين، للوصول إلى نضج البيض المثالي بالنسبة لك.

يجب أن تتأكدي من إنهاء كل الارتباطات العاجلة ومشاغلك قبل التهام هذه الشوربة التي ستهيئك لنوم هادئ.

تعرفين؟

أفكر مجددًا بصيحة «فنتاستيك» في المطعم الفلورنسي التي نطقت بها سيدة اعتباطًا، لكنها صفة ترافق البيض على أية حال. من المستبعد أن تكون تلك السيدة مطلعة على كتب الإيروتيكية العربية التي تُصنِّف البيض نصًا عجائبيًا بين نصوص المطبخ.

كان من بين تقاليد التأليف في الإيروتيكا تخصيص الباب الأخير من الكتاب للأطعمة والأشربة المقوية للباه. وتنسب تلك الكتب للبيض قوى أسطورية، وتستعمله كدواء مقوٍ بعد خلطه بالعسل والبصل وأشياء أخرى، جنبًا إلى جنب مع وصفات تقع في قلب العجائبية: شعرة من ذيل سبع، أو ملعقة من حليب لبؤة. أشياء لا يمكن الحصول عليها، وأشياء بقيت طلاسم إلى اليوم، كهذه الوصفة للمبرودين وكبار السن، من كتاب «نزهة الألباب فيما لايوجد في كتاب» للتيفاشي: «يؤخذ من بذر فنجكشت عشرة دراهم، ومن الفوتنج الرومي مجفف خمسة دراهم، وورق سذاب مجفف درهمين ونصف»   

في الروض العاطر، يعدد الشيخ النفزاوي أنواعًا من الأطعمة، في صدارتها البيض الذي جعله عنوانًا للباب:«في منافع البيض وأشربة تعين على الجماع» ويركز على المحاح «المخاخ ويعني الصفار» على الريق صباحًا. يبدو أن هذه النوعية من الكتب وراء جسارة شرب الصفار النيئ مع اللبن التي يؤمن بها الكثير من الرجال، وخصوصًا الرياضيين.

 يخلط الشيخ البيض مع البصل المدقوق وعصيره. يوصي به مشويًا كذلك مع الضارسين (القرفة) والفلفل، كما يوصي بطاجن من البيض المقلي في سمن، ويُغطى بعد ذلك بالعسل ويؤكل بقليل من الخبز،  وهناك صفار البيض النيء مع البهارات فوق هليون بعد سلقه وقليه في السمن.

أراك تضحكين، فأنت لا تحبين هذه الكتب الطافحة بفخر الذكورة وأوهامها، دعي كل هذا، أردت فقط أن أُقلِّب معك وجوه «الفنتاستيك» في البيض.

 عندما أطالع كتبًا من هذا النوع، لا يشغلني فيها وظيفتها المتوهمة في صيانة وشحذ آلة الذكورة، بل عجائبيتها. كيف تصنع هذه الوصفات عجائبيتها؟ الحيلة الأولى هي نسبة تلك الوصفات لعلماء في الكيمياء (ينسب التيفاشي إحدى وصفاته إلى أبي بكر الرازي) بعد هيبة العلم يستند العجائبي في تلك الوصفات إلى الخفاء والاستحالة والغموض. الشعرة من ذيل أسد يصعب الحصول عليها، بينما هناك نوع أخر من عجائبية تولدت بفعل الزمن، لأن تقادم اللغة يفتح هوة من الغموض تتسع مع الوقت؛ فربما كان الفونتج الرومي شائعًا منذ سبعة أو ستة قرون، وربما كان الفنجكشت كذلك. بالبحث في قواميس اللغة لم أتعرف على الفونتج، بينما وجدت البنجكشت، الذي ربما كان القرنفل أو نبتة سرساد أو حب الفقد، وهي فارسية وتسمى كذلك حب النسل لأن من يداوم عليها يفقد النسل، وربما هي شجرة كف مريم. في كل الأحوال هناك هوة تفصلنا عن هذه الحبة وتجعلها بعيدة المنال.

وعندما تساوي هذه الكتب أثر الوصفات العجائبية بأثر البيض، فإنها تضيف إلى واقعيته لمسة من السحرية. وهذه بالضبط وظيفة العجائبي عندما يجاور الواقعي في النص الأدبي: أن يخفف ثقله ويعيره أجنحة.

لا يضارع البيض في الأهمية والانتشار سوى الملح، غير أن الملح محسوب على البهارات؛ بينما يصلح البيض وجبة وحده، كما يُستخدم كمكون في الطبح وضرورة في تسعين بالمئة من الحلويات والمخبوزات.