حال المستيقظ في وجود غيداء

عندما فتح عينيه في الصباح تذكَّر وقائع الليلة وأحس الخوف مثل رشقة سكين. انطلق إلى باب الشقة، متوقعًا أن تكون قد سرقته وتركت الباب مفتوحًا، لكنه وجده مغلقًا كما هو. 
استدار وأخذ يتفقد الشقة. وجد حقيبة يدها في مكانها كما تركتها بالليل، وقف للحظات أمام باب غرفتها المغلق، ثم انصرف هادئًا إلى غرفته وقد غمره فضول سعيد. نظر إلى الساعة. قدَّر أنه لم ينم أكثر من ساعتين. استلقى على سريره مجددًا، واستسلم للنوم. 
استيقظ في نحو العاشرة، غادر فراشه مغتبطًا هذه المرة أكثر منه قلقًا. كانت جالسة في الصالون، تشرب شايًا. فيها شيء مُبهج ينتشر منها ويغمر الأشياء، إلى درجة أنه رأى جدران الشقة تبتسم، فأحس بالغبطة، رغم أنه لا يحب أن يستيقظ في وجود أحد، رجلاً كان أو امرأة. 
أعادت إليه أحاسيس لم يعرفها إلا في مراهقته تجاه صافي جارته المهاجرة. ربما لهذا استعذب وجود هذه الشابة إلى درجة الإحساس بأنه في الوضع الطبيعي الذي عاشه معها في حياة سابقة، وقد عادت ليستكملا حياتهما. 
دبَّ الوهن في ذاكرته وتضببت صور الماضي. لكن صورة غيداء في ذلك الصباح البعيد ظلت زاهية مثل رسوم مقبرة فرعونية مكتشفة للتو، يراها ويستنشق روائحها بكل اضطراب البهجة والقلق. 
كانت جالسةً في بيجاما سماوية قصيرة، وفي يدها فنجان شاي من طقم فاليري الكلاسيكي الذي لم يستعمله منذ عشرين سنة على الأقل. شقَّت الفرحهُ بوجودها قلبه، ولم تلبث الغيرة أن جرحت فرحته تحت وطأة الإحساس بأن أشياءه متناغمةٌ مع غيداء أكثر من تناغمها معه. وداهمه شعورٌ بالاستياء من شقته التي خانته بانتمائها إلى هذا الحد لامرأة تستيقظ فيها للمرة الأولى.

من «غربة المنازل»